د. وائل العجي
TT

نظرة تحليلية في نفسية بشار الأسد

يعتقد الباحث في علم النفس التحليلي مانفريد كيت دو فري، أن الدافع للمرء لأنْ يصبح قائدا هو الرغبة في التعويض عن حرمان عاطفي سابق. كما يعتقد أن القائد الناجح هو الذي يتمتع بثلاث صفات؛ رؤية واضحة ملهمة وتتلاقى مع آمال الجماهير، وذكاء عاطفي يلهم الجماهير عبر التواصل معها، وثقة بالذات تمكنه من التعامل الذكي مع الذين يؤمنون بقيادته.
إن الشعور الخادع بالجبروت المترافق مع القوة كفيل بإغراء أي إنسان، ويكون لهذا الشعور تأثير هدام خاصة لدى أولئك الذين سبق لهم المعاناة من الإحساس بالدونية واحباط في مراحل مبكرة من تكوين الشخصية، ويشكِّل الوصول إلى السلطة لدى هؤلاء تحقيقًا وإثباتًا لذواتهم.

يقوم الطاغية وبشكل لا واعٍ بالعمل على خلق بيئة مريضة تركز على عظمته وإنجازاته بشكل مبالغ فيه للتعويض عن شعوره المبكر بالدونية والنقص، ولكن هذا سرعان ما يصبح غير كافٍ، مما يدفع الطاغية وبشكل لا واعٍ أيضا للسعي إلى تعديل هذه البيئة للحصول على إشباع أكبر لشهواته، مستعملا سلطاته المتعاظمة حاطة نفسه بشخصيات وضيعة لا تعرف سوى الرضوخ والتسبيح بحمد الطاغية. ضمن بيئة كهذه يصبح الطاغية ذا سلطة مطلقة وتتضاءل بذلك قدرته على احساس بمعاناة اخرين والتعاطف معهم؛ إذ يصبح هو مركز كل اهتمام.

لقد أظهرت بعض الدراسات أن كثيرًا من الرجال الذين شغلوا مناصب قيادية مهمة، مثل بيل كلينتون، وجاك ويلش، وونستون تشرشل، كانت لديهم علاقة فاترة بآبائهم مقارنة بعلاقتهم الجيدة مع أمهاتهم. ويعتقد بعض الباحثين أن هؤلاء القادة قد طوروا مهاراتهم القيادية للتعويض عن دور اب المفقود أو زاحة اب من مكانه كرأس للعائلة.

توجد نظرية واحدة تفسر كيف يتحول شخص ما إلى طاغية، ولكن يبدو أن هناك إجماعا بين العلماء على أن الطغاة هم أشخاص «معتلون نفسيا» بسبب اثار السلبية للسلطة المطلقة التي تجعل صفات معينة كالنرجسية والارتياب والسادية تخرج من حالة الكمون إلى حالة الممارسة الفعلية.

من وجهة نظر نفسية فإنه من الواضح أن الطاغية بشار اسد ذكي ومخادع وذو عقلية شمولية تؤمن بنظرية «كل شيء أو لا شيء» في السياسة، مما يعني أنه من غير المحتمل أن يقبل بعملية نقل أو حتى مشاركة للسلطة ولو بشكل صوري، مما يجعل أي مفاوضات معه مضيعة للوقت. هو شخص عصبي وانفعالي وقادر على المناورة والتفكير بالبدائل عند الضرورة، ولكن عجرفته وولعه بالمعايير المثالية يدفعانه لمحاولة تحقيق أهدافه بصرف النظر عن التكاليف، معتقدًا أن ما يراه ويعتقده يستحق التضحية نه دائمًا افضل حتى لو تسبب بمعاناة كبيرة للآخرين. ونظرًا لوجود خلل في تطوره العاطفي فإن ردود فعله غالبًا ما تكون حادة وقاسية وشاذة عندما يشعر بضغوط عاطفية تتطلب منه إبداء شيء من الندم أو الاعتراف بالخطأ أو التعاطف مع الضحايا، وهذا ما بدا واضحًا في ردوده على أسئلة باربرا والترز بخصوص حمزة الخطيب وإبراهيم القاشوش، إضافة لاعتباره جرائم أجهزة امن مجرد أخطاء يمكن تداركها، وهذا دليل على خلل كبير في تركيبته النفسية العاطفية واخلاقية قد يكون مرتبطا بنشأته العائلية ونظرة اخرين الدونية له. كما يبدو هذا الخلل واضحًا في عدم قدرته على التصرف بما يتناسب مع الحدث، فهو يقهقه ويلقي النكات حين ينبغي له أن يكون جادًا مثل خطابه البائس بعد أحداث درعا اولى وتنظيره السخيف في اجتماعات القمة العربية. شخصية معتلة كهذه لا ينبغي أبدًا الاستهانة بقدرتها على الصمود والاستمرار ن هذه القدرة تتعاظم أثناء ازمات.

ومثل أغلب الطغاة، فإن نظرة تحليلية في خطاب بشار اسد تدل على أنه يحاول استعمال مفردات جذلة ذات دلالات دينية أو علمية، ولكنها جوفاء لا تخدع إلا الدهماء ولا تدل إلا على خوائه العاطفي واخلاقي، وتبدو نتيجة هذا واضحة في الطبقة التي تحيط باسد؛ إذ لا يوجد ضمنها أي شخص ذي قيمة فكرية أو علمية أو أخلاقية، فحتى مستشاروه وموظفوه الدبلوماسيون يفتقرون للحد ادنى من اللباقة وادب.

أعتقد شخصيًا أن بشار اسد قد وصل إلى مرحلة متقدمة من الاعتلال النفسي في وقت أقصر نسبيًا من الوقت الذي احتاج إليه طغاة آخرون كصدام حسين والعقيد معمر القذافي، وذلك بسبب اختلاف الصفات الشخصية وظروف النشأة العائلية، لذلك فإنه يجب علينا كسوريين، أن ندرك أن صراعنا مع هذا الطاغية هو صراع طويل ومكلف ولا يمكن الانتصار فيه إلا بإبداع آليات جديدة غير تقليدية للصمود والاستمرار وإعادة تنظيم المعارضة وتجديد أدواتها لضمان استثمار كل المواهب والطاقات وعدم اصرار على تجربة نظريات سياسية ثبت فشلها وبطلانها.

* اختصاصي في أساليب العلاج النفسي والبرمجة العصبية ادراكية