عضوان الأحمري
صحافي سعودي، رئيس خدمات الديجيتال والأونلاين في صحيفة «الشرق الأوسط»
TT

حراك سياسي في الرياض

بوصول الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى الرياض يكون تاسع زعيم يلتقي بالملك سلمان بن عبد العزيز في 4 أسابيع. الحراك السياسي الذي تقوده الرياض، واحتضنه قصر خادم الحرمين الشريفين بـبلدة "عرقة" يعطي دلالات عدة، ليس على مستوى التغير في السياسة الخارجية للسعودية فحسب كما يشير البعض، بل إلى حرص قادة من مختلف دول العالم إلى الالتقاء بالملك سلمان والتباحث في السياسات التي تتعلق بالوضع في المنطقة العربية والعالم.
هناك تنبؤات عاطفية، مبنية على اندفاع آيديولوجي، بأن زيارة إردوغان سيعقبها تغير في موقف الرياض من الإخوان المسلمين وغيرهم من جماعات الإسلام السياسي، وأخرى تتحدث عن مصالحة بين أنقرة والقاهرة تقودها الرياض، على الرغم من نفي الرئيس التركي أن يكون بينه وبين الرئيس المصري أي لقاء. لكن ما هو أهم من ذلك كله وقف التمدد الإيراني في المنطقة وإيجاد حل سريع للأزمة السورية.
الحراك السياسي الذي تقوده الرياض قد يكون محاولة لإعادة الصف العربي إلى ما كان عليه من الاجتماع، على الأقل بصورة أكثر سلمية وأمنا، مع الإبقاء على الاختلاف في وجهات النظر تجاه ملفات عدة. والحديث عن التحالف السعودي - التركي منطقي، لكن لا يوجد شيء في السياسة اسمه "الآن". كل شيء يأخذ وقته، حتى زيارة إردوغان للمملكة والتي تحدثت عنها مصادر في الرئاسة التركية أنها مجدولة منذ فترة وأجلت لظروف طارئة.
هناك من يتحدث أن الرياض، بقيادة الملك سلمان، ستلعب دور الحكم المحايد في الفترة القادمة، وستحاول تهدئة الوضع الملتهب في الشرق الأوسط، واجتذاب الأطراف المختلفة على طاولة الحوار والتقريب بين وجهات النظر، وفي الوقت ذاته ما تزال بعض الماكينات الإعلامية تحاول شرخ تلك الجهود وتعطيلها، من خلال مواصلة نشر ما يظنه البعض أسبابا كافية مثلاً لإرباك العلاقة بين دول الخليج ومصر. لكن المنطق والواقع كان معاكسا لأمنيات الغوغاء.
من يراقب وسائل التواصل الاجتماعي لدى كل زيارة لرئيس دولة أو حدث إقليمي، يجده في الشق الأول محللا مخمنا يصل في بعض الأحيان إلى مصدر للخبر، وطبعاً مصدر غير موثوق بل موتور أحياناً. أما فيما يتعلق بتعامل وسائل التواصل الاجتماعي مع الأحداث الإقليمية، ولعل آخرها احتلال الحوثيين للعاصمة اليمنية صنعاء في سبتمبر (أيلول) الماضي، يجد أن هناك أصواتا بنبرة مرتفعة تطالب بأن تتدخل السعودية ودول الخليج لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. لكن السياسة لا تبنى على "ما يطلبه المغردون" بالتأكيد، وبعد هدوء وتنسيق رفيع المستوى، كان قرار السعودية بنقل سفارتها إلى عدن، وتجديد التأكيد على شرعية الرئيس هادي، وهي الخطوة التي تبعها نقل سفارات دول خليجية وغربية إلى المدينة الجنوبية، في محاولة أشبه ما تكون لعزل التمرد الحوثي في صنعاء، بل إعلانها عاصمة "محتلة".
كل هذا الحراك تلعب الرياض فيه دورا رئيساً من خلال الواجب الذي تمليه عليها مكانتها العربية والإسلامية، لكن كيف يمكن إقناع البعض بأن التمدد الإيراني في المنطقة ليس نجاحاً ولا عبقرية، بل هو انتشار ما قبل الانحسار، ومن يستطع إقناعهم أن التضخم في طهران تضاعف 3 مرات منذ بدء الأزمة السورية؟ ومن يستطع أن يقنع البعض أنه لولا التدخل السريع لقوات "درع الجزيرة" في البحرين قبل سنوات لكان لإيران موطء قدم بطريقة أو أخرى؟
حين نقول إن حراكا سياسيا في الرياض، لا يعني أن الحراك لم يكن موجوداً من قبل، بل هو الآن في مرحلة إعادة ترتيب الأوراق والملفات، ومن الصعب القول بإعادة "التحالفات". لكن التقريب بين وجهات النظر في ملفات وتأجيل النظر في الاختلاف حول بعضها، قد يكون تحالفاً بصيغة أخرى.
في أول يوم من تولي الملك سلمان مقاليد الحكم، نشرت صحيفة {النيويورك تايمز} الأميركية تحليلا سياسيا أن أبرز الملفات التي ستواجه خادم الحرمين الشريفين هي تعامله مع اتهام الإسلام بالإرهاب من خلال انتشار منظمات إرهابية كـ"داعش" و"جبهة النصرة" وغيرها، إلى جانب انخفاض أسعار النفط وقدرته على مواصلة عملية التنمية وتلبية تطلعات شعبه. وفي الأسبوع الأول، كانت جملة من القرارات والأوامر الملكية بإعادة تشكيل مجلس الوزراء، وضخ دماء شابة في المجلس وفي مناصب قيادية في الدولة، وكطمأنة لمن أقلقهم انخفاض أسعار النفط، كانت هناك زيادات في معاشات المتقاعدين وأمر الملك براتب شهرين لجميع موظفي الدولة وطلاب التعليم العالي داخل المملكة وخارجها، مما بعث برسالة مفادها ان انخفاض أسعار النفط يعد تحدياً في أمور أخرى، لكن ليس فيما يتعلق بالتنمية ورفاهية الشعب.
والأسبوع الماضي، قال الملك سلمان لدى استقباله ضيوف مؤتمر مكة العالمي لمحاربة الإرهاب، إن السعودية تدعم الإسلام المعتدل، مؤكداً على محاولة تشويه الإرهابيين لصورة الإسلام السمح.
هذا هو موقف السعودية القديم المتجدد من الجماعات الإرهابية. ولعل الحراك السياسي الذي تشهده الرياض هو محاولات مستمرة وحثيثة لترسية السلم والاستقرار في المنطقة العربية، ووقف جنون التمرد الإيراني، ورسم خريطة طريق عربية لإصلاح ما يمكن إصلاحه، ولتبديد أحلام التطرف والاستبداد.