عضوان الأحمري
صحافي سعودي، رئيس خدمات الديجيتال والأونلاين في صحيفة «الشرق الأوسط»
TT

السعودية والسويد.. والخطوط الحمراء

في مؤتمر صحافي لوزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل في مطلع مارس (آذار) 2011، قال إن "أي أصبع خارجية ستوجه للمملكة أو تحاول التدخل في شؤونها الداخلية ستقطع". وفي المؤتمر ذاته أكد أن : "التدخل في شؤونا الداخلية لن نقبله".
إن موقف السعودية ثابت من رفض التدخل في شؤونها الداخلية، وتحديدا النظام العدلي. وعلى الرغم من العملية التحديثية المستمرة في النظام القضائي، ومشروع تطوير القضاء الذي تواصله المملكة، والمطالبات الداخلية من قبل بعض القانونيين بمراجعة بعض العقوبات التعزيرية واستبدالها بأخرى، إلا أن ذلك يبقى ضمن الجدل الداخلي الذي لا يتعدى الحدود.
ومن الطبيعي ان ترتفع نبرة النقد من قبل منظمات حقوقية، أو حتى توجيه حملات إعلامية تحت غطاء بعض جمعيات حقوق الإنسان، لكن هذا يبقى في الإطار غير الرسمي، وهو ما لا يستدعي الرد والالتفات أساساً. إذاً، لماذا صعدت الرياض من نبرتها تجاه اتهامات وزيرة خارجية السويد مارغوت فالستروم بعد تصريحاتها عن السعودية ونظامها القضائي؟ وللجواب عن ذلك باختصار، لأنه جاء من مسؤولة لا تمثل نفسها، بل تمثل البلد الذي تتحدث باسمه، ولم يأت مثلاً من متزعمة لجمعية حقوقية أو ناشطة في مجال حقوق الإنسان.
وفي جلسة مجلس الوزراء برئاسة الملك سلمان الاثنين الماضي، جاءت اللغة واضحة وصارمة في رفض التدخل في الشأن الداخلي للمملكة، وذلك حين لوّحت السعودية بأن هذه التصريحات غير المسؤولة من قبل وزيرة خارجية السويد قد تضطر المملكة إلى إجراء مراجعة لجدوى الاستمرار في العديد من أوجه العلاقات التي تربط بين البلدين.
هذه النبرة في بيان المجلس حسبما يراها محللون، ستضع حدا فاصلا للتدخلات (الرسمية) – حتى ولو كانت على شكل تصريحات غير مسؤولة – في شؤون المملكة الداخلية. بل قد تكون ما يشبه طريقا واضحا في تعامل الرياض مع الدول الأخرى.
لكن ما هي ردة فعل وزيرة خارجية السويد حين منعتها جامعة الدول العربية من إلقاء كلمتها؟ تقول إنها كانت ستتحدث عن اعتراف السويد بفلسطين وضرورة إرساء الديمقراطية والتنمية الاقتصادية ومحاربة الإرهاب واحترام حقوق الإنسان.
وقبل ذلك تحدثت الوزيرة السويدية في مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بجنيف مطلع الشهر الحالي، أن ستوكهولم تريد تعزيز المساواة بين الجنسين وتحسين وصول المرأة إلى الموارد وزيادة تمثيل النساء.
هل إن إطلاق الحديث على عواهنه واتهام الآخرين من غير دليل، يحمي أصحاب الادعاءات والتهجمات غير المسؤولة من انتهاكات حقوق الإنسان التي تحدث في بلدانهم على لغة (رمتني بدائها وانسلت).
ألم يدر في خلد الوزيرة السويدية أنه في عام 2013 مثلا، وحسب موقع المجلس الوطني السويدي للحد من الجريمة، إن أكثر من 5000 جريمة كراهية – عنصرية – تمييز وقعت في السويد ضد آخرين، سواء أكان ذلك بسبب الجنس أو الجنسية أو الديانة. وجاءت في المرتبة الأولى القضايا المسجلة التي كانت دوافعها العرق والجنسية. هذه الإحصائية مسجلة رسميا، وهذه المنظمة تتبع لوزارة العدل السويدية. وإذا جاء الحديث عن الجريمة بشكل عام، فإنها في ازدياد عاماً بعد عام. وحسب سجلات المجلس الوطني فإن الجريمة في السويد في ارتفاع منذ عام 1975، رغم قيم العدل والحرية والإنسانية، وكل القيم الأخرى، التي من حق أي دولة أن تتحدث عنها، وتباهي بها حتى وإن كانت الحقائق والأرقام معاكسة لذلك.
وحين تتحدث الوزيرة السويدية عن حقوق المرأة في المجتمعات العربية، ألم يدر في خلدها كذلك أن اكثر من 27 ألف جريمة ضد المرأة حدثت في عام واحد فقط (2013م)، وهذه الجرائم ضد نساء فوق الثامنة عشرة من العمر، وكثير من الحالات بما فيها التحرش تحدث في أماكن العمل، بل حسب التقارير فإن العنف ضد المرأة في السويد في تصاعد. وما يهم من ذلك أنه لا يمكن لدولة أن تأخذ هذه الإحصاءات وتبني عليها أن السويد دولة تعيش في القرون الوسطى، وأن كل هذه المعدلات تقع في دولة تروج لقيم الحرية والعدالة مثلاً .. تماما كما فعلت الوزيرة في اتهاماتها وهجومها على السعودية.
المكاسب الإعلامية التي كانت الوزيرة السويدية تسعى لها عادت بالضرر والاستهجان ضد تصريحاتها، ليس من الرياض فحسب، بل من وزراء الخارجية العرب ومنظمات إسلامية وعربية.
السعودية رصدت ميزانية مليارية لتطوير الجهاز القضائي، ومثله التعليم وأجهزة أخرى. وفي عام 2013 فقط، دخلت المرأة لأول مرة تحت قبة مجلس الشورى، ولم تصل بالتأكيد المملكة لمرحلة الكمال، ولست من المؤمنين بمقولة: "نحن أحسن من غيرنا"، لكن الواضح أن الرياض تعمل، لكنها لا تسمح لأحد بتوجيهها أو التدخل في شؤونها، حتى لو كان من قبيل تحقيق مكاسب إعلامية.
اتهامات الوزيرة السويدية وغضها الطرف عن الانتهاكات التي تحدث في بلدها يذكرنا بالمثل الصيني "أن نمدح الفضيلة أسهل من أن نمارسها".