محمد مصطفى أبو شامة
كاتب وصحافي مصري
TT

كلوا بامية.. بالفرنساوي

أعمدة الصحف العربية هي لبنات التكوين الرئيسية في مشروع أي صحافي، فهي بمثابة «درس خصوصي» يومي تمنحه الصحيفة لعشاق الكلمة ومريديها، لهذا ومنذ مرحلة «البافتة» في الكتابة، و«الحبو» في بلاط صاحبة الجلالة، وضعت لنفسي قائمة دروسي اليومية من الأعمدة الصحافية، والتي لا يمكن أن يمر اليوم إلا بها ومعها، يرافقها فنجان القهوة مع نسائم «التبغ» الألماني الصنع - حتى في أماكن حظر التدخين - فدخان سجائري هو ما يحمل الأفكار ويحملني لنحلق معًا في سماء الفكر، هذه طريقتي التي قد تغضب «حزب أعداء السجائر»، وعلى رأسهم بطل مقالي اليوم، أستاذ الصحافة المصرية وواحد من «جنرالاتها» المؤثرين، وهو عمنا صلاح منتصر، وإن كنت أعده بامتناع قريب ونهائي عن التدخين إن شاء الله.
فاجأني العم صلاح ذات مقال في زاويته اليومية التي تزين صفحة «الأهرام» القاهرية الأخيرة، ويعنونها بـ«مجرد رأي»، والتي خصصها عن البامية وغلاء أسعارها وسخط المصريين على الحكومة بسببها، مبسطا الأمر ومهونا بأن هذا هو «سلو بلدنا» في أول موسم الخضراوات والفاكهة، أسعارها تكون مرتفعة ثم تبدأ بالانخفاض التدريجي!!
ما استوقفني وصدمني بقوة هو هذا الجزء من مقال كاتبنا الكبير: «صحيح أن البامية من الخضراوات المنتشرة والشعبية لدرجة أننا منذ كنا أطفالاً كانت لعبتنا المشهورة أن نضع أيدينا معًا لنختار أحدنا حسب كفه الممدودة والمختلفة عن الآخرين بعد أن نردد (كلوا بامية)، ولم أعرف إلا فيما بعد أن اللعبة ليست لها علاقة بالبامية المعروفة، وأنها جاءت من الجملة الفرنسية (Qui est le premier)، حيث تنطق بعد تحريفها شعبيًا (كلوا بامية)».
«كلوا بامية.. طلعت فرنساوي يا مصريين»، لعبتنا التي استمتعنا بها جميعا في طفولتنا، وسجلتها كتب التراث على أنها لعبة مصرية، أصلها فرنسية، وترجمتها «مَن الأول؟»، سبحان من له الدوام!!
لكن ليس هذا ما صدمني في المقال، لقد أزعجني إقرار الكاتب في هذا الجزء من مقاله بأن «البامية» من الخضراوات الشعبية، و«شعبية» تعني «أساسية»، و«أساسية» من المفترض أن يكون سعرها في متناول الشعب «الفقير»، وأخيرا ما لا يعلمه أستاذي هو أن التجار في دول العالم كله، ومنها «فرنسا»، يخفضون أسعار الخضراوات والفاكهة بعد مرور «أول الموسم»، إلا في مصر الأسعار تزيد في كل أنحاء الموسم، أوله.. ووسطه.. وآخره، ولا عزاء للبامية وآكليها.