محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

علميًا.. الحياء رادع خفي

وجد علماء غربيون دليلاً علميًا يؤكد وجود من ينطبق عليهم شيء من الحديث الشريف: «أشد حياء من العذراء في خدرها»، وذلك عندما أظهرت دراستهم أن هناك من انتابهم شعور بالحياء حينما طلب منهم الباحثون التعبير عن مشاعرهم لحظة تعثرهم في مكان عام أو ارتكاب فعل محرج. وتبين لاحقًا أيضًا أن في هؤلاء صفتي اللطف والكرم، وذلك بعد تجربة مخبرية طلب منهم أن يمنحوا خلالها «تذاكر سحب اليانصيب» التي حصلوا عليها إلى غرباء، ففعلوا من دون تردد، بحسب دراسة لجامعة ستانفورد لقياس الفوائد الاجتماعية للحياء.
ومن المفارقات أن يختلف شعورنا بالحياء بحسب من يشاهدنا، وهذا ما توصلت إليه دراسة أخرى كشفت أننا نستحي أكثر أمام الفئة الاجتماعية التي ننتمي إليها، من شعورنا بالحياء أمام الفئات الأخرى، خصوصا إن كانت فئة يُنظر إليها نظرة دونية، بحسب دراسة لجامعة المكسيك.
الحياء ليس شعورًا وهميًا، بل رد فعل نفسي يردعنا عن ارتكاب القبائح. وهذا ما ثبت علميًا في دراسات عدة توصلت إلى أن الموقف الذي نتعرض له هو ما يطلق مشاعر الحياء؛ مثل تلك الدراسة التي أجبر المشاركون فيها على مشاهدة فيديو لهم وهم يغنون بصوت مرتفع، حسبما طلب منهم، ثم شعروا بالحياء الشديد وهم يَرَوْن ويسمعون نشاز أصواتهم. وفي دراسة أخرى لافتة، لاحظ الباحثون أن المشاركين كانوا ينظرون «بشكل غير اعتيادي» إلى مكان حساس في صور رجال كانوا يرتدون ملابس السباحة! ولما عرض لهم لاحقًا «برنامج تتبع نظرات العين» الإلكتروني كيف كان شكلهم وهم ينظرون، أسقط في أيديهم حياءً مما فعلوا.
ثبت علميًا وعمليًا أن الحياء جرس الإنذار الأول الذي يحذرنا من الاقتراب من سلوك شائن. والحياءُ لغةً هو: «الحشمة ضد الوقاحة». وهذا ما دفع المصطفى صلى الله عليه وسلم لقوله: «الحياءُ لا يَأْتِي إِلا بِخَيْرٍ»، وقوله: «إِنَّ لِكلِّ دِينٍ خُلُقًا، وخُلُقُ الإسلام الحَياءُ». ولا شك في أن الحياء صفة حسنة، لأن الله عز وجل وصف بها نفسه في حديث: «إن ربكم حَيي كريم يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفرًا خائبتين».
والحياء خلق محمود، إن صدق، أما الخجل فمذموم، لأنه حجر عثرة في طريق فعل المحاسن؛ فكم من صاحب همة وقدرات استسلم لخجله فصار يراوح في مكانه، فيما سبقه من هم أقل منه شأنًا، وكم من متعظ من خجله ارتقى في خلقه وتعاملاته.