إميل أمين
كاتب مصري
TT

واشنطن ـ الرياض.. ثنائية استثنائية

هل يمكن اعتبار زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز للولايات المتحدة هذه الأيام زيارة عادية؟ بالقطع هي ليست كذلك، ولا سيما أنها تجري في عصر يمكن أن نطلق عليه عصر المنافسة الجيوسياسية، وزمن إعادة تشكيل العالم، وفي القلب منه الخليج العربي والشرق الأوسط بنوع خاص.
لعل علامة الاستفهام الأولية ما هو الهدف من هذه الزيارة؟
يصعب الجواب إن لم يكن لدى المرء فكرة أولية عن أبعاد العلاقات الأميركية - السعودية، والتي هي عن حق علاقات استثنائية ثنائية منذ لقاء الملك عبد العزيز، رحمه الله، في فبراير (شباط) 1945 والرئيس الأميركي روزفلت للمرة الأولى والوحيدة في البحيرات المرة المصرية على متن الطراد الأميركي الشهير «يو إس إس كوينسي»، فقد اعتبرت واشنطن من وقتها أن المملكة هي قلب العالم الإسلامي النابض، وهذا معناه ومبناه ضمان صداقة ما يربو على ثلاثمائة مليون مسلم حول العالم، عطفًا على حماية أثمن جوهرة في الشرق الأوسط، حيث أكبر رصيد احتياطي للنفط في العالم برمّته.
عبر سبعة عقود شهدت العلاقات بين البلدين شدًا وجذبًا، لكنها في كل الأحوال حافظت على قوة ومتانة الوشائج والروابط، مهما اختلفت الرؤى أو تباينت المشارب.. لم يكن النفط أبدًا هو القاسم المشترك الأعظم؛ ذلك أن دولاً عربية وعالمية أخرى لديها مخزون هائل من النفط، لم تحظَ باهتمام واشنطن كما حظيت الرياض، بل إن الحضور الجيوسياسي والتوجهات الاستراتيجية للمملكة طوال فترة الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفياتي قد بيَّنت وجود ركائز سياسية لهذه العلاقة تتجاوز إشكالية النفط على أهميتها وجوهريتها بالنسبة للولايات المتحدة.
هل طرأ جديد مثير على هذه العلاقة؟
ذلك كذلك بالفعل، وفي المقدمة من الأمر كله الرؤية الاستراتيجية العالمية الأميركية، والتي ستؤثر ولا شك على استقرار الشرق الأوسط والخليج العربي برمّته، لا على المملكة فقط، بمعنى أن واشنطن اليوم مهتمة بالاستدارة نحو آسيا، وهذا قد يخلق فراغًا استراتيجيًا ويولّد «فوضى غير خلّاقة» في المنطقة، وقد يكون هذا هو السبب الرئيسي في عدم إيلائها قدرًا كافيًا من الاهتمام ومن المواجهات الجذرية مع قضايا مشتعلة في المنطقة كالأزمتين السورية واليمنية، عطفًا على ما يراه البعض بعدم الحزم الأميركي في مواجهة تنظيم داعش.
لم يكن للمملكة العربية السعودية أن تقف مكتوفة الأيدي إزاء هذه التطورات والتحولات الخطيرة، والتي حوّلت الملايين من شعوب المنطقة إلى لاجئين، فقد استشرفت المستقبل الأليم، ولهذا آلت على نفسها وفي شراكة مع قوى عربية وإقليمية ودولية محاولة وقف هذا الانحدار المخيف، وربما ولّد هذا شكلاً من أشكال البرودة مؤخرًا في علاقات واشنطن والرياض، وبدت حالة من اللايقين تعمّ المشهد الأميركي - السعودي.
على أن الملف الأكبر والأهم الذي يبقى ولا شك عقبة في تطور التوجهات السياسية للبلدين إلى الأفضل هو ذاك المتعلق بالصفقة النووية الإيرانية - الأميركية، والتي سيصوّت عليها الكونغرس خلال أسبوعين بعد عطلة عيد العمال، وهنا فإن المصارحة واجب لا بد منه حتى تستقيم الرؤى في قادم الأيام، فالسعودية وبقية دول المنطقة لديها خبرات تاريخية مؤلمة مع الأحلام الإمبراطورية الإيرانية في الحال، وأوهام بسط النفوذ في ربوع الخليج العربي وبقية الشرق الأوسط في الاستقبال، وعليه فإن علامة الاستفهام الأولية التي يطرحها الجانب السعودي.. هل كل أوراق الصفقة قد بسطت أمام الكونغرس والرأي العام الأميركي؟ بمعنى: هل لا توجد ملاحق واتفاقيات سرية بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية؟
ما تسرّب الأيام الماضية عن وجود اتفاق سري عن حظر مفتشي الوكالة الدولية من دخول المنشأة العسكرية الإيرانية في «بارشين»، يدعو للقلق الزائد، ولا يطمئن القاضي أو الداني حول جدوى عمليات التفتيش، وهي مسألة ستكون ولا شك حجر عثرة لدى التصويت على الصفقة وإقرارها من جانب الكونغرس. تتطلع الرياض لإجابات مطمئنة في هذا السياق من الجانب الأميركي.
إن حكمة الملك سلمان وحنكته ستقودانه لأن يوضح للرئيس الأميركي، خطورة ترك المنطقة في فراغات آيديولوجية، واضطرابات سياسية، وعواصف عسكرية، فهذا حتمًا سينعكس يومًا ما على بقية العالم، ويتبدى اليوم بشكل مأساوي في أزمة اللاجئين في أوروبا، ولن يوفر الولايات المتحدة، وعلى أوباما الرجوع إلى تصريحات نائب الرئيس الأميركي السابق ديك تشيني منذ أيام ومخاوفه من استمرار حالة الفوضى العالمية واحتمالات انعكاساتها من جديد على الداخل الأميركي.
ينصح الخبراء الاستراتيجيون الأميركيون إدارة الرئيس أوباما مؤخرًا بالحذر الشديد من ظهور قوى إقليمية مهيمنة في مكان ما، فذلك سوف يؤدي في نهاية المطاف إلى محاولات تدخلها في نصف الكرة الغربي، وهو الأمر الذي يشكّل تهديدًا خطيرًا للولايات المتحدة، فهل لواشنطن أن تضع نصب أعينها المشهد الإيراني - الخليجي في السنوات المقبلة في ظل مثل هذا التحذير؟
في كل الأحوال يدرك الأميركيون أن للمملكة ثقلاً مهمًا واستراتيجيًا في لعبة التوازن الجديدة بينهم وبين الصين وروسيا وبقية شرق آسيا، عطفًا على الدائرتين الحضاريتين الإسلامية والعربية، ولهذا فإن واشنطن حتمًا ستظل حريصة على دفء هذه العلاقة ومحاولة تصويب المسار في القريب العاجل.