سارة ربيع
TT

دع الـ«بي.دي.أف» يطرق بابك

كلما نصحني الأصدقاء بتجربة القراءة الالكترونية باستخدام صيغة الـ"بي.دي.اف"، أشعر بالرفض وأفزع من مجرد فكرة ابتعادي عن اقتناء الكتب التي أعشقها منذ الطفولة، تلك التي استهلكت فيها مصروفي الشهري في إجازات المدرسة والتي عن طريقها كونت أحلامي وأهدافي، وساهمت هي بقوة في تكوين مبادئي ومعاييري الشخصية.
تلك الحالة اللاشعورية المسيطرة علي من بهجة الذهاب إلي المكتبة، وحب علاقة الصداقة الحميمة التي تجمعني بالرواية التي اقرأها الآن، اقتسم معها الطريق إلى العمل وتقضي بدورها علي ساعات زحام القاهرة الخانق.
لكني لا أنكر أن القراءة الالكترونية ظلت تظهر بين الحين والآخر في مساحة من الضوء داخل رأسي، كساحر ماهر يستطيع أن يلفت أنظار مشاهديه في ثواني معدودة ويختفي قبل أن تتحقق مما ترى.
خاصة مع مشاركة دائرة كبيرة من حولي من الإصدارات الحديثة للكتب والروايات، بجانب الإصدارات القديمة لأشهر الكتاب والروائيين وخاصة الأدب المترجم، ومع انتشار المدونات والمواقع الالكترونية التي تتيح كل ما لذ وطاب من وجبات ثقافية تغذي الروح وتشبع الذاكرة بالتفاصيل، بمجرد لمسة بسيطة لزر (تحميل).
لذلك وبعد مقاومة دامت لأكثر من ثلاث سنوات من رفض القراءة الالكترونية، انتهيت في عطلة الأسبوع الماضي من أول رواية بصيغة الـ"بي.دي.اف" في حياتي. وكانت رواية "طعام. صلاة. حب" للكاتبة الأميركية إليزابيث جيلبرت، والتي تسرد فيها حسب ما ذكرت علي غلافها، قصة امرأة أميركية في العقد الثالث من عمرها، تسكن في منزل فاخر مع زوج محب يريد أن ينشئ عائلة. ولكن هذا المشروع ليس من ضمن أولوياتها، فيحصل الطلاق المر لتصفع تردداته العنيفة إليزابيث، التي تنهض بعد وقت محطمة ولكن مصممة على البحث عن كل ما تفتقده.
هنا يبدأ البحث. في روما تغرق في ملذات الطعام والحفلات فيزداد وزنها عشرين كيلوغرماً دفعة واحدة. في الهند تنير الهداية روحها وهي تحف أرض المعابد. وأخيراً في بالي تكتشف على يدي عراف سقطت أسنانه الطريق إلى السلام الذي يقودها إلى الحب.
وتحولت الرواية إلي فيلم، بطولة الممثلة الأميركية "جوليا روبرتس"، وقد شاهدته في خريف عام 2009 حين تم عرضه في قاعات السينما المصرية، ولم أقرأ طوال تلك السنوات الرواية الأصلية التي أخذ منها الفيلم، ربما هي الأقدار التي تحدد ساعات الاختيار والاستمتاع.
هذا الكتاب الذي يعرض تجربة خاصة راقية عن السفر والحب وفعل الحياة، فتح لي عالم القراءة الالكترونية على مصراعيه، وهذا لم يمنعني من أن تطأ أقدامي مكتبة "مدبولي" الشهيرة بوسط المدينة، لاقتناء النسخة الورقية من الكتاب!
حقيقة لم أقاوم فعل الشراء.. ربما هي عادة وعشق مميز لرائحة الغلاف الجديد والورق المطبوع..
ففي بعض الوقت ندرك أنه من الصعب على الإنسان التغلب على عادات نشأ عليها واعتاد فعلها من دون تخطيط مسبق.