جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

أفضل ضربة جزاء

إذا سألني أحدهم ما هو فيلمي المفضل، أجيب ومن دون تردد «سلايدينغ دورز». لا أدري إذا كنتم قد شاهدتم هذا الفيلم الذي أنتج عام ثمانية وتسعين ومن بطولة غوينيث بالترو، قصته تدور حول الفرضية والسيناريوهات الحياتية المرتبطة بالتوقيت، وحول قصتين متوازيتين أحداث كل منهما ترتكز على التوقيت الذي من شأن ثانية منه تغيير مسار حياة إنسان بالكامل، تمامًا مثلما حصل مع اللاجئ أسامة عبد المحسن الذي كان مدربًا لأحد فرق الدرجة الأولى لكرة القدم في سوريا، ولم نكن نسمع باسمه قبل أن نراه يتلقى ركلة قوية من المصورة الصحافية المجرية أوقعته على الأرض وهو يحمل ابنه الصغير زيد. المشهد كان مؤثرًا، وسرعان ما انتشرت الصورة بسرعة البرق على مواقع التواصل الاجتماعي وأدت إلى ارتفاع صوت العدل وانتصار الخير على الشر، وكانت النتيجة واحد - صفر لصالح عبد المحسن بعد أن سدد ضربة جزاء قوية أدت إلى طرد الصحافية من عملها، وحصوله على وظيفة في مدرسة سينافي الرياضية بمدينة خيتافي بالقرب من مدريد، بعدما قرر المسؤولون «مساعدة مدرب زميل». وحصل عبد المحسن إلى جانب الوظيفة كمدرب، على السكن والغذاء والملابس.
وهذه القصة ذكرتني كثيرًا بروعة فكرة الفيلم التي تبين بذكاء وحبكة غير مسبوقة كيف يمكن أن تغير «ثانية» واحدة تاريخًا بأكمله ونهاية قصة، فتخيل لو أن تلك المصورة المتوحشة لم تكن موجودة في المكان الذي وجد فيه عبد المحسن مع ابنه، وتخيل لو أن هذا الأخير وصل إلى هناك متأخرًا ثانية واحدة، وتخيل لو أن تلك المجرية لم تكن عنصرية ولم تركله برجلها، وتخيل لو أن وزير الداخلية الإسباني خورخيه فرنانديز دياز لم يقدم فرصة استضافة اللاجئ وعائلته، وتخيل لو أن ميغيل أنخيل غالان مدير المركز الوطني لتأهيل مدربي كرة القدم في إسبانيا لم يقرأ الخبر في الصحف ليعرف أن عبد المحسن كان مدربًا سابقا لكرة القديم في سوريا.. تخيل وتخيل..
كلها فرضيات مختلفة كانت ستنتج عنها قصص مختلفة عن النهاية السعيدة التي كللت شقاء عبد المحسن الذي ينتظر لم شمله في إسبانيا قريبًا، ليبدأ حياة سعيدة بعيدًا عن الحرب وبشاعتها.
القدر يلعب دوره في كل ثانية من حياتنا، وكل حركة نقوم بها من شأنها تغيير مسار يومنا وحتى مستقبلنا، في بعض الأحيان تكون النتيجة مرضية وفي أحيان أخرى نقول: «هذا هو سوء طالعه، كان موجودًا في المكان الخطأ في الوقت الخطأ».. ولكن بالنسبة لعبد المحسن فلا يمكن القول إلا أنه سدد أفضل ضربة جزاء في حياته.
ولا بد أن هناك كمًا هائلاً من اللاجئين السوريين تمنوا اليوم لو كانوا مكان عبد المحسن وتمنوا لو تعرضوا لركلة عنصرية بدلاً من التعرض للذل اليومي، ولكن لا يسعنا القول إلا أن كل إنسان يحصل على نصيبه وما كتب الله له، ولا شيء يتم في حياتنا إلا لسبب، إن كان جيدًا أو سيئًا، فالحياة كلها مرتكزة على «ثانية» لا أكثر.