أحمد عبد المطلب
صحافي في «الشرق الأوسط»
TT

هل أخطأ محمد صبحي!؟

لدى عودتي من العمل على كوبري 6 أكتوبر الذي يقسم العاصمة المصرية نصفين ويربط شرقها بغربها، صادفتني لافتة إعلانية كبيرة، تتصدرها صورة للفنان محمد صبحي وإلى جوراه عبارة "أعزائي المشاهدين..مفيش مشكلة خالص"، لأول وهلة اعتقدت أنه ربما يحل ضيفًا على "صاحبة السعادة" إسعاد يونس أو على أقصى تقدير سيعرض مسرحية حصرية تذاع على فضائية "سي بي سي" التي ظهر شعارها على الإعلان.
في البداية لم أكترث بالتاريخ المصاحب للإعلان وسط الزحام المروري، قبل أن أجد نفسي، بالصدفة بعدها بأسابيع قليلة، أمام إعادة للحلقة الأولى للبرنامج، وعلى الفور تذكرت الإعلان. وكانت المفاجأة.. صبحي الذي لا يزال يحتفظ بحيويته المعهودة وروح الشباب قرر مواصلة تقديم رسالته كما يسميها دائما، عبر تقديم أعمال درامية تحمل في طياتها دروسا وتوعية مجتمعية تفيد الكبار قبل الصغار، لكن هذه المرة من خلال برنامج أسبوعي يتفاعل فيه مع الجمهور ويتضمن مسرحية قصيرة، يناقش خلاله قضية أو ظاهرة سلبية اعترت المجتمع، كالاستهلاك بشراهة، وجودة التعليم ومؤخرا تأثير مواقع التواصل والتكنولوجيا السلبي أحيانا على العلاقات داخل الأسرة.
ربما ليست صدفة أن يطل علينا محمد صبحي ببرنامجه وسط تحسر كثيرين من أبناء جيلي على أيام "يوميات ونيس" المسلسل الكوميدي والتربوي الذي تم عرضه في تسعينات القرن الماضي والعقد الأول من الألفية، حيث زرع فينا الكثير من القيم والأخلاق عبر علاقة ونيس (صبحي) وزوجته ميسا (الراحلة سعاد نصر) بأولادهما الأربعة، وظني أن كثيرا من الآباء والأمهات أيضا تعلموا منه الكثير.
كما يأتي البرنامج وسط حالة من السخط والرفض المجتمعي لبعض الأعمال الفنية، سينمائية وتلفزيونية، التي يتم تقديمها في السنوات الأخيرة، لتعارض محتواها مع القيم الأخلاقية والذوق العام، حتى أن البعض اتهمها بإفساد سلوكيات المراهقين.
وبالرغم من النجاح الملحوظ للبرنامج، والذي يمكن ملامسته على الأقل في تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي بهاشتاغات تشيد بالفنان محمد صبحي والموضوعات التي يناقشها في برنامجه، كان لافتا وجود بعض الأصوات المنتقدة للبرنامج لدرجة تصل إلى الهجوم العنيف، بحجة رفض الأسلوب المباشر في النصح ومعه الأعمال الفنية القائمة على التوعية والتربية، وكذا بحجة هدف البرنامج ربما تعويض غياب برنامج "البرنامج" الذي كان يقدمه الإعلامي باسم يوسف لسنوات على عدد من القنوات الفضائية، من بينها "سي بي سي"، أو لأن صبحي- برأيهم- يتصرف وكأنه وصي على الشعب وأخلاقه.
لكن ما سر هذا الهجوم غير المبرر والانتقادات التي تفتقر إلى المنطقية والعقلانية؟
هل أخطأ محمد صبحي حينما قرر استئناف ما بدأه منذ عقود بإيقاظ القيم والبقية الباقية من الأخلاق فينا بأعمال لا تحمل أي نوع من الابتذال؟
هل أخطأ محمد صبحي حينما أثار العديد من المشكلات الاجتماعية الخطيرة التي باتت تهدد المجتمع المصري والعربي في محاولة منه للوصول إلى حلول حقيقية؟
هل أخطأ محمد صبحي حينما أدى رسالته كفنان ومثقف تجاه جمهوره الذي اكتسب محبته على مدار سنين طويلة بفضل أسلوبه الفني المميز؟
وأخيرا، أي ضرر وقع على هؤلاء المنتقدين من البرنامج الذي إن لم يعد بالنفع على أحد - ولا أحسبه كذلك - فإنه من المؤكد لن يضر أحدا؟
بالطبع الأسئلة لا تحتاج لإجابة منّي، فالفنان الحقيقي هو الذي يخدم وطنه ويسخر فنه وثقافته لغرس القيم النبيلة وإزاحة الغبار من عليها إذا تطلب الأمر، وليس الذي يسعى لجمع أكبر قدر من المال عبر أعمال لا تمت للفن بصلة أو حتى لا تكون ذات أثر إيجابي على المجتمع.
جيلي تربى على مسرحيات صبحي الهادفة والبناءة، ومنها على سبيل المثال "الهمجي"، التي خصص كل فصل فيها لتناول قيمة أخلاقية كالصدق والأمانة وغيرها، وكيف تكون عاقبة الوقوع في الكذب أو الخيانة، وبالمناسبة هي مسرحية كوميدية من العيار الثقيل تفوق فيها صبحي وفريقه على أنفسهم، أي أن الهدف الأخلاقي لم يطغ بأي حال من الأحوال على الكوميديا.
لا يسعني إلا أن أقول للأستاذ الكبير محمد صبحي، استمر.. فكثيرون مثلي يتابعونك بشغف ويحترمونك ويقدرون برنامجك المميز الذي مزج بين الإعلام والتمثيل المسرحي، والشعر العذب الصادق، في خلطة سحرية تليق بفنان صاحب تاريخ عظيم.