جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

الرحمة على «الفيسبوكيين» الصالحين

لا يمكن أن ننكر إبداع أصحاب المواهب الكوميدية في عالمنا العربي، ولو أنهم أشبه بالجندي المجهول، لأن الجميع يقرأ نكاتهم التي تنتشر سريعا بعد دقائق من وقوع حوادث مناخية أو أمنية أو حتى سياسية من دون أن نعرف من يقف وراء تلك الإبداعات الساخرة التي تتسم بسرعة البديهة والذكاء اللافت.
ففي لبنان على سبيل المثال، تنتشر كمية ضخمة من النكات التي تترجم الوضع الراهن، إن كان من حيث المناخ وتعرض لبنان لعواصف ثلجية، أو الفراغ السياسي وشغور الكرسي الرئاسي لفترة طويلة وحتى توافق الأحزاب التي تصارعت على مدى أكثر من ثلاثين عاما، ليجد أنصار تلك الأحزاب أنفسهم ضائعين بحب القادة المفاجئ، وقد تكون أغنية «أنا عوني باحب القوات» من أكثر الأغاني الساخرة المعبرة في هذه الفترة التي يمر بها لبنان واللبنانيون.
ونرجع إلى موضوع النكات وإبداع أصحابها، فمن أجمل ما قرأت على موقع «فيسبوك» هو تنبؤ لعزاء الفيسبوكيين المواظبين على حضورهم الدائم على مواقع التواصل الاجتماعي، والنكتة ترى أنه عندما يتوفى أحد الفيسبوكيين سيتم تأبينه على الطريقة التالية: «الله يرحمه كان يضل (أون لاين) وبحياته ما عمل (بلوك) لأحد.. وكانت (بوستاته) مؤثرة وقوية ولم يزعج أحدا بـ(كومينت) وكان يعمل (شير) للأغنياء و(تاغ) للفقراء.. الله يرحمه كان صاحب (لايكات).. مات وهو فاتح (فيسبوك) وتستمر التعازي على (الواتساب)».
قد تكون هذه نكتة لا أكثر ولا أقل، ولكنها تحمل مغزى مهمّا جدا لأن حياتنا الحقيقية أصبحت متأثرة جدا بالحياة الافتراضية التي نعيشها على «فيسبوك» وغيره من المواقع التي حولت حياتنا إلى كتاب افتراضي مفتوح.
ومن الأشياء اللافتة التي قرأتها أيضا، قصة أحد الفيسبوكيين الذي قرر تطبيق حياته «الفيسبوكية» الافتراضية في حياته الواقعية اليومية، وإليكم ما حصل: خرج من المنزل وراح يعرض صوره التي التقطها على هاتفه الجوال على المارة، وبعدها رفع إبهامه بوجه أحدهم تعبيرا منه على إعجابه بحركة قام به هذا الأخير ومن ثم ركض باتجاه أحدهم ليصور الطبق الذي يتناوله، وفي النهاية حصل على متابعة من اثنين فقط هما: الشرطة والعاملون في المصح العقلي القريب. وفي هذه النكتة عبرة أعمق بكثير من القهقهات التي تتبع قراءتها، لأنها تدل على الفراغ الذي نعيشه، واللافت هو أننا كلنا نعيش هذا الفراغ وندرك اللاعقلانية في هذا العالم الافتراضي ونضحك على هذه النكات لتصبح وكأنها طبيعة ثانية لعالمنا البعيد عن الواقع.
وفي سكيتش كوميدي قصير لفتني أيضا، تجد صديقتين جالستين على طاولة في مطعم وأمامهما طبقان من الطعام، وهما لا تتكلمان معا، بل تحمل كل منهما هاتفها الذكي، وعند مجيء النادل لمعرفة ما إذا كان الطعام جيدا، تنتفض الصديقتان قائلتين: «هذا الطعام سيئ جيدا استبدله في الحال.. أنا حصلت على 3 (لايكات) فقط في حين حصلت صديقتي على 4 فقط منذ أن نشرنا صور الطبقين منذ عشر دقائق، وهذا الأمر غير مسموح به، فغيِّر الطبقين لو سمحت».
نعم، التمثيلية كوميدية ولكنها كالنكات التي ذكرناها سابقا تحمل في طياتها معاني مخيفة للاتجاه الذي نسير نحوه في عالم لم يعد يعرف التمييز ما بين الحقيقي والافتراضي.
ولكي نعزي أنفسنا فلا يسعنا إلا أن نقول بأن الرحمة تجوز على الميت ولو كان «فيسبوكيًا».