مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

النوم الملوكي

من نكد الدنيا على الحر أن يرافق (طبيبًا نفسانيًا) ما من مرافقته بد في السفر، وتكون (الوكسة) أكبر لو كان نازلاً معك في الفندق نفسه، وتكون أكبر وأكبر لو أن غرفتك مجاورة لغرفته لا يفصل بينكما إلا جدار.
المهم انتهت الرحلة، وما إن دخلت غرفتي حتى ارتميت على السرير، فعينكم (ما تشوف إلا النور)، إذ إنني أخذت أتقلب على السرير كالثعبان الذي وقع بالمصيدة، ولم أجد للنوم سبيلاً.
عندما طلع الصباح، إذا (بالدختور) يقرع الباب، وما إن فتحته له وشاهد عيني المتورمتين، حتى قال لي: أكيد ما نمت. لم أردّ عليه لأنني خشيت أن أقل أدبي معه، وسحبني من يدي وأجلسني على حافة السرير فيما جلس هو أمامي على الكرسي، وقال: ألا تعلم أن النوم (فن)؟!
وما إن سمعت منه هذه الكلمة حتى قفزت مستغربًا ومحتجًا، فضحك بوجهي وقال لي دون أية مجاملة: كم أنت ساذج وجاهل.. نعم، إنه فن، ألا تدري أو تسمع أن النوم أنواع؛ فهناك النوم (الجنيني)، وهناك (الساندوتش)، وهناك (السلسلة المركبة)، وهناك وضع (المومياء)، وهناك وضع (أبو الهول)، وكذلك الوضع (الملوكي)، وأكمل محاضرته المملّة هذه بنصيحة لم أطلبها أو أتوقعها، عندما قال لي بالحرف الواحد: أنصحك إذا أردت أن تنام الليلة نومة معتبرة أن تجرب النوم إما على طريقة المومياء أو على الطريقة الملوكية، فسألته (باستعباط) مفتعل - أريد أن آخذه على قد عقله: وما الفرق بينهما؟
أجابني قائلاً وقد أخذته الحماسة: إن الأشخاص الذين يقمطون أنفسهم...
وقبل أن يتم جملته سألته: ماذا تعني بكلمة (يقمطون)؟! قال: أعني بهم الذين يتدثرون بالأغطية تمامًا بحيث يبدون وكأنهم أطفال رضع لا يزالون بـ(القماط) مقيدين، هؤلاء يختبئون عن العالم معطين برهانًا سافرًا على جبنهم، لأنهم يخشون مواجهة الحياة. قلت له: حدثني لو سمحت عن النوم الملوكي.
فقال لا فض فوه: معنى النوم الملوكي أن تنام على ظهرك، لتكون محط العناية والانتباه، وتشعر أثناءها بالطمأنينة والثقة بالنفس، وتقوي شخصيتك، وتتقبل الأمور بصدر رحب، وتسر بالأخذ والعطاء.
عندها قلت له لكي ينهي محاضرته ويغرب عن وجهي: هذا هو ما أبحث عنه، وسوف أجرب هذه النومة الملوكية الرائعة. والحمد لله أنه خرج وهو يصفّر بفمه بطريقة مموسقة.
وفعلاً جربتها، وظللت طوال الليل مستلقيًا على ظهري أبحلق بالسقف، وأنش بين الحين والآخر (ناموسة) ملعونة تنتقل بين أذني ومنخاري في نشاط لا يكل ولا يتعب.
وبعد أن (أنهد حيلي) وقفت كالمعتوه أترنح في أرجاء الغرفة، ثم انطرحت على الأرض مثلما ينطرح البعير.