نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

المصالحة على خط الدوحة ـ إسطنبول

بعد سبات طويل إلى حد ما، وبمبادرة قطرية، استيقظت حكاية المصالحة الفلسطينية، ونظرًا لما لقطر من نفوذ على غزة ورام الله، فقد استجابت فتح وحماس للجهود القطرية، وجرت حوارات وصفها المشاركون فيها بالمعمقة، بعضها في الدوحة، عُززت بجولة حوار في إسطنبول، لتستأنف جولة جديدة في الدوحة خلال أيام.
وفي لقاء تم في رام الله، تحدث بعض المشاركين في هذه الحوارات عما جرى فيها، ومن قبيل التشجيع وإشاعة جو من التفاؤل، قال المحاورون إنهم سمعوا لغة جديدة تتسم بالمرونة، وإن التفاؤل بنجاح الجهود القطرية بدا مبررًا، وبالإمكان القول إن المصالحة المستحيلة صارت ممكنة.
وبين يدي الجولة العتيدة في الدوحة، طرحت حركة حماس مبادرة وصفت بالمتكاملة وتحتوي على كل ما تطالب به فتح وتتحفظ عليه، وقد أعلن المبادرة السيد أحمد بحر، نائب رئيس المجلس التشريعي، كي تكون مادة البحث والحوار، ما يُخرج حماس من دائرة الاتهام بالسلبية وينقلها إلى موضع أفضل.. فها هي تقدم مبادرة.
وعقب أي جلسة حوار بين فتح وحماس تندلع حرب كلامية تبدد كل ما توصل إليه المتحاورون، وتجعل أي حوار جديد يبدأ من الصفر.
ومنذ أن بدأ الحوار بين الحركتين المتنافستين، والأمر هنا يحسب بعشرات السنين، لم يحدث، ولو لمرة واحدة، أن جرى اتفاق على أمر وتم التقيد به، ففي زمن عرفات وقبل حكاية التسوية والسلطة الوطنية، جرت في أكثر من عاصمة محادثات توحيدية بهدف ضم حماس (الإخوان المسلمون) إلى المجلس الوطني، وقد فشلت هذه المحادثات جميعًا رغم تدخل شخصيات فلسطينية وعربية وإسلامية وازنة. لم يكن الفشل لاختلاف حول موقف سياسي بقدر ما كان حول المحاصصة في عضوية المجلس، ورغم المتغيرات الهائلة التي حدثت خلال هذه المدة الطويلة، فإن سبب الفشل ما زال قائمًا، ولكن هذه المرة تحت عنوان «المحاصصة في كل شيء» وليس في مجرد عضوية المجلس الوطني، وبسبب هذه النقطة بالذات دخلت حماس إلى منتدى السلطة الوطنية التي كانت تعده خيانيًا بامتياز، كي تحصل على حصتها في السلطة عنوة، متجاهلة كل أدبيات التخوين التي غلفت رفضها بادئ الأمر بأوسلو وما نجم عنها، ولهذا السبب كذلك وقع الانقلاب وتكرس الانقسام وتعمق، وآخر ما كان يذكر في هذا الشأن هو الاختلاف السياسي، وأول ما يذكر هو ظلم فتح في المحاصصة؛ إذ أخذت أكثر مما تستحق وأغلقت الأبواب أمام حماس التي فازت في الانتخابات!!
ولهذا السبب كذلك فشلت كل الصيغ التي طرحت لمعالجة معبر رفح، وبالتأكيد لم يكن الخلاف السياسي هو السبب، وفي آخر مهرجان وحدوي أقيم في مخيم الشاطئ بغزة كاد هذا الاحتفال يؤدي إلى حرب أهلية ليس على النهج السياسي، وإنما بما وصف في حينه بـ«ظلم الرواتب»، فهل وجدت حلول لأسباب الانقسام آنفة الذكر وهي جزء من كل، أم إن اللقاءات والحوارات المقترحة ستبحث هذه القضايا من جديد لتحسمها في بيان مشترك فرائحي؟
لقد توغلت دولة قطر الشقيقة في الشأن الفلسطيني مستفيدة من مكانتها الإيجابية لدى طرفي الانقسام، وهي موجودة بفاعلية وقدر الإمكان في غزة والقدس والضفة، وهذا مؤهل إيجابي لا يصح إغفاله، مثلما لا يصح الإفراط في التفاؤل بنجاحه الحتمي والعاجل، فالنجاح، كما ثبت على مدى سنوات الاختلاف العقائدي والتنافسي والسلطوي، له كلمة سر واحدة، هي «التفاهم الفلسطيني الفلسطيني على كل شيء»، وهذه هي الوصفة المضمونة لنجاح المتدخلين من الأصدقاء والأشقاء.