د. شملان يوسف العيسى
كاتب كويتي
TT

أهمية الخليج.. هل تراجعت؟

كثرت في الفترة الأخيرة التصورات والرؤى المستقبلية التي ترى أن دول المنطقة سوف تشهد تحولات قد تؤدي إلى تفكيك بعضها، وأن أهمية الشرق الأوسط قد تراجعت، وأن هناك احتمالات لإقامة «دويلات إسلامية جهادية» في المنطقة.
ما يهمنا من كل هذه السيناريوهات المتشائمة هو: هل تراجعت أهمية دول الخليج العربية بعد انخفاض أسعار النفط ودخول دول في دوامة العجوزات المالية وتركيز هذه الدول اليوم على معالجة أوضاعها الداخلية في محاربة التطرف والإرهاب ومحاولة إيجاد بدائل جديدة عن النفط كمصدر وحيد للدخل؟
الأمر المؤكد أن المنطقة تراجعت أهميتها كمصدر رئيسي للطاقة بالنسبة للاقتصاد العالمي؛ فالولايات المتحدة مثلاً قللت من اعتمادها على نفط المنطقة بعد اكتشاف النفط الصخري، حيث خفضت الولايات المتحدة وارداتها من النفط بنحو 4.5 مليون برميل يوميًا.
أيضًا رفع التقدم التكنولوجي من كفاءة المعدات والآلات في استهلاك الطاقة، مما أدى إلى رفع الناتج المحلي الأميركي من نحو 13 تريليون دولار عام 2005 إلى 17 تريليون دولار عام 2014 لمواجهة هذا التحول.
تسعى دول الخليج العربية، كل دولة على طريقتها، إلى رفع الضرائب والرسوم، تلبية لنصائح صندوق النقد والبنك الدولي ودور الاستشارات الاقتصادية العالمية باتخاذ تدابير لزيادة الضرائب التجارية القائمة، لأن ميزانيات هذه الدول أصبحت غير متوازنة، بسبب انخفاض إيرادات النفط، وقد بادرت كل من الإمارات وقطر لصياغة إطار عمل مشترك لتطبيق ضريبة القيمة.
الأزمة الاقتصادية أدت إلى انخفاض أسعار الأسهم في كل دول المجلس.. كذلك انخفضت أسعار العقار بنسب متفاوتة في كل دولة.
السياسات التي اتخذتها بعض دول الخليج برفع أسعار المشتقات وزيادة الرسوم وتخفيض سياسات الدعم الحكومي كلها خطوات مهمة ومستحقة، لكنها غير كافية، لأن المطلوب اليوم هو تحويل كلي أو نوعي في هيكلة الاقتصاد الخليجي من دول ريعية تعتمد على سلعة واحدة ناضبة إلى دول لديها أكثر من مصدر للدخل وتستطيع منافسة الآخرين من دول العالم من حيث الاعتماد على الذات وزيادة الإنتاجية والمشاركة الفعلية في الاقتصاد العالمي بشكل فعال. هذا التحول المطلوب ليس بالأمر السهل، فقد مضى أكثر من 80 عامًا ونحن نتحدث عن تنويع الدخل وتقليل الاعتماد على العمالة الأجنبية، وهذا لم يحصل في معظم دول الخليج.
سياسيًا تواجه دول الخليج تحديات كثيرة في دول الجوار العربية، وتحديدًا في سوريا والعراق واليمن، حيث انتشرت في هذه الدول الحروب الطائفية البغيضة، ويبقى احتمال تمزق هذه الدول وتفككها واردًا، خصوصًا أن الغزو الأميركي للعراق وتبني سياسة الفوضى الخلاقة من الإدارة الأميركية في عام 2005 أديا إلى إشعال الفتنة الطائفية أكثر، فالتدخل الروسي الأخير في سوريا لدعم رئيس النظام السوري عسكريًا وسياسيًا ينبئ بأن هناك خريطة جديدة للمنطقة ترسمها الدول العظمى، بعيدًا عن دول المنطقة، والدليل على ذلك أن الجانبين الأميركي والروسي رفعا من مستوى حضورهما في جنيف، ولتأكيد اهتمام الجانبين بالمفاوضات بين ممثلي الحكومة السورية والمعارضة، ولا يوجد دور فعال للعرب في المفاوضات.
منطقتنا تشهد تحولاً مهمًا بسبب تراجع أهمية النفط وتغير سياسات الدول العظمى في المنطقة، لذلك من الصعب جدًا علينا الاستمرار في الرهان بأن أسعار النفط ستعود للارتفاع كما كانت سابقًا، وأن الدول الغربية سوف تستمر في حمايتها لدول المنطقة بسبب وجود الاحتياطات النفطية.
الخطورة في الوضع الحالي أن الولايات المتحدة تحاول أن تخلق توازنًا طائفيًا بين السنة والشيعة أو ما بين جمهورية إيران الإسلامية والدول الخليجية العربية.. وانفجار الصراع السعودي - الإيراني حول مناطق النفوذ في المنطقة العربية، حيث تسعى إيران لدعم الجماعات والميليشيات الطائفية وتمزيق وحدة العرب وكيانهم.
مطلوب منا أن نتبنى سياسات تحول سياسي وثقافي واقتصادي نحو التخلي عن الاقتصاد الريعي والاتجاه نحو اقتصاد منتج عماده الصناعة، لنساهم في الاقتصاد العالمي.