خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

الحب واحد أم اثنان؟

إننا لا نستعمل غير كلمة واحدة للحب. نقول أحب الشاي، وأحب أنام مبكرًا، وأحب القطط، وأحب أولادي، وأحب فريال. كلها عندنا حب. لكن في الإنجليزية الحب ألوان. إذا كنت تتكلم عن الشاي تقول «آي لايك تي» (I like tea). أما إذا كنت تتكلم عن حبك لفريال فتقول «آي لاف فريال» (I love Firial). كلمتان مختلفتان، ويا ويلك إذا اختلطتا عليك.
كان صديقي سلام يتوق للزواج بامرأة إنجليزية. وبعد جهد طويل، تعرف بريبيكا، ممرضة. تعمقت العلاقة وأخذ يزورها وتزوره حتى عرفت سيارته الطريق لبيتها. أخذت تقضي يوم الأحد معه. تغسل وتكوي ملابسه وتطبخ. كم وكم استمتعت أنا شخصيًا بأطايب طبخها. بدأ صاحبي يتعلق بها ويفكر في الارتباط بها على سنة الله ورسوله. فاتحني بأمرها. قلت: «والله يا عزيزي هذه امرأة طيبة وخدومة وتحبك كثيرًا. تجلس ساعتين معك ولا تفتح فمها بكلمة. أين تجد مثل هذه المرأة؟ تسمع هريجنا باللغة العربية فتطرب له وتحسبه نوعًا من الموسيقى. ولا تنس يا أخي، هذه المرأة الغضة بشعرها الأشقر الذهبي، لو كانت في بلادنا فكم سيكون عليك أن تدفع مهرًا عاليًا عنها. توكل على الله والله مع المتوكلين».
«خليني شوية أفكر»، قال صاحبي، وكان من الناس الحريصين والشكاكين. لا يخطو خطوة دون التروي والصبر. غاب عني عدة أسابيع حتى التقيته واستأنفنا الحديث ذاته.
«تظل إلى الآن مع ريبيكا.. وما صارحتها؟»..
أجابني فقال إنه ما زال غير واثق: «الأوروبيات لعينات أخويا خالد. يخدمنك اليوم ويمللن منك بعد يومين. لازم شوية أتأكد».
مرت أسابيع وريبيكا مواظبة على لقائه يوم الأحد وتقوم بكل شيء قبل أن تعود لعملها.
جلسنا ثانية وعدنا لموضوعنا الذي أصبح شغلنا الشاغل كل هذه المدة: «هل أخطبها وأتوكل على الله، أم أتركها وأتعوذ من الشيطان؟»، ولكن يظهر أن مرور الأيام وتواصل لقاءاته بها حسم الموضوع في الأخير، وعقد رأيه بأن يفاتحها ويأخذها لمسجل الزواج والوفيات، وهما دائما مرتبطان، ويعقد عليها. غادرني وتوجه لبيته حيث كانت ريبيكا تغسل وتكوي وتوضب الغرفة دون أن تدري بما خبأته الأقدار.
لم تمض أكثر من ساعتين حتى لمحت قامته في مشيته العسكرية المعتادة ولكن بشيء من الاضطراب والقرف. كانت أشبه بمشية قائد منهزم منها بمشية العسكري المنتصر: «تعرف أخويا خالد...».
بدأ صاحبي كلامه بلهجة مكسوفة: «صدق من قالوا، رضينا بالبين والبين ما رضي بينا! قلت لها: أحبك وأريد أتزوجك. تعرف إيش كان جوابها؟ قالت لي: لكن أنا ما أحبك.. كيف أتزوجك؟ قلت لها: عجايب! كل ها الأشهر هنا، تقضين ساعات وأنت ما تحبينني؟ تعرف أخويا خالد إيش قالت؟
قالت: نعم آي لايك يو لكن حقيقة آي دونت لاف يو!
سمعت بعمرك مثل ها الكلام؟.. نعم.. آي لايك يو، لكن آي دونت لاف يو»!