سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

«الأهرام» وشلال «الأهرام» وأنا

أيام كانت الطرقات وعرة، والأودية سحيقة، والبريد سلحفاة، كانت مطبوعة واحدة تدور على العالم العربي برمّته، هي «الأهرام». لم تكن تصل إلى قصر الإمام حميد الدين في الحديدة، بعد يوم، أو أسبوع، وأحيانًا حتى بعد شهر من صدورها، لكنها عندما تصل، تحمل إليه، وإلى وزيره، وإلى القاضي، وكاتب الديوان، وكل من يسمح له بالاطلاع، أخبار مصر والعرب والعالم.
تحوَّلت «الأهرام» إلى رمز للصحافة العربية، سواء كُنت قارئًا أو باحثًا أو صحافيًا. وحملت معها، في العهد الملكي، ثم بعد 23 يوليو (تموز)، مظلة مصر أو شمسها. وقد غيَّرت المنافسة أوضاع الصحف العربية ومواقعها، لكن لا أحد، ولا شيء، يجرد «الأهرام» من رمزيتها التاريخية، أو من «رمزيته» إذا شئت، باعتبار أن الزملاء المصريين يذكِّرون الصحف لكونها «جورنال» أو «جورنات»، تمامًا بالراحة التي يؤنثون بها لبنان، «الحلوة قوي».
بطبعي وطبيعتي، لا أحب الأنا، لا في المجالس الخاصة، ولا في لقاءات العائلة، ولا في الكتابة. وزاد في نفوري منها كثرة استخدامها في الصحافة بطريقة تلعّي النفس وتزيد الشعور بالتقزّز. وبما أنني أستخدم المسكّنات للمساعدة في ضبط الحساسية المرضية التي تلازمني منذ طفولتي، فقد أبلغني الطبيب أنني تجاوزت العيار المسموح به. وسألته عن الحل، فقال اختصر كل ما يثيرك: برامج تلفزيونية. أخبار. مقالات. سياسات. رقاصات مغنيات.. وما إليهنّ.
أول ما ألغيته في القراءات، كل ما يبدأ بالأنا، وينتهي بها، وبها يتوسط. وكانت المكافأة أن خفضت عيار المهدّئ من 20 ملغرامًا إلى 15. لذلك، عندما أضطر، بسبب واضح، إلى الحديث عن النفس، ومهما كان السبب واضحًا، فعفوًا ومعذرة وسماحًا.
لي قصة، أو قصص، مع «الأهرام» أحب أن أشارك جنابكم فيها. فقد «ظهرتُ» على الصفحة الأولى فيها ذات يوم تحت عنوان: «كاتب الغرائب والطرائف في (الشرق الأوسط)». كان المقال بقلم الأستاذ إبراهيم نافع، رئيس التحرير يومها. ورحت أقرأ المقال لأعرف من هو كاتب الطرائف والغرائب هذا، فإذا هو الداعي لكم بطول العمر، ولـ«الأهرام» بدوام الازدهار.
كان الأستاذ نافع يرد على سلسلة مقالات كتبتها من القاهرة وترحمتُ بها على كتّاب الأمس. ورأى في ذلك اعتداء على كتّاب اليوم وانتقاصًا من قدرهم. ثم ذهب إلى أبعد، فرأى بي شريكًا في مؤامرة إعلانية كونية على «الأهرام».
إلى اللقاء..