مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

الكتكوت المفترس يتذكر

نقائصي كثيرة، غير أن من أسخفها عدم إلمامي بتذكر أسماء الناس، رغم أن ملامحهم لا تخطئها عيني ولا ذاكرتي، لهذا كثيرًا ما وقعت في إشكالات، خصوصًا إذا سلم عليّ أحدهم وبدلاً من أن يبادر ويذكر لي اسمه أدبًا، يسألني بكل غلاظة، قائلاً: هل عرفتني؟! فيكون جوابي الجاهز دائمًا: طبعًا عرفتك وهل يخفى القمر؟! فيرد عليّ بكل تلامة وهو يبتسم: طيب اسمي إيه؟! فأقع في (حيص بيص) وألعن اليوم الذي قابلته فيه.
لهذا أحسد وأتعجب من قدرة رجل (التشريفات) الذي يقف بجانب المسؤول الكبير، ليستعرض له أسماء العدد الهائل من الرجال الذين يصافحونه دون أن يغلط باسم واحد منهم.
ومن النوادر هو ما قاله الرئيس الأميركي القديم (روزفلت) عن وزير البريد (جيم فارلي) عندما قال: إن (فارلي) يكسب المعارك الانتخابية بقدرته الخارقة على تذكر الأشخاص، وقد كان يحتفظ في ذهنه بوجوه وأسماء وعادات عدد هائل من الأشخاص من جميع الطبقات في مختلف أنحاء البلاد، وقد قدرهم هو نفسه بنحو 15 أو 20 ألف شخص، ولكن الذين يعرفونه يعتقدون أنهم أكثر من ذلك.
وتعجبني طريقة أهل اليابان، فكل واحد منهم يمد (كارته) للثاني، وكان الله يحب المحسنين.
ولتدريب الذاكرة وضع أستاذ علم نفس لتلاميذه أسماء مستعارة، يربط كل واحد منهم الاسم الحقيقي بالمستعار، وأخضعهم للاختبار لمدة أسبوع ونجحت فكرته.
وعلى ذكر الأسماء المستعارة فكنا أيام (الدشرة والفلتان) مجموعة من الأصحاب الذين لا يهشون ولا ينشون، واقتداء منا بأبطال المقاومة الفلسطينية الذين كانوا في تلك الأيام يخفون أسماءهم الحقيقية بأسماء حركية، فعلنا مثلهم ولكن على نحو (كريكاتيري)، ومن ضمن الأسماء اللامعة التي أذكرها كانت:
فرقع لوز، الصرصار المدّرع، بارم ذيله، فارة الطحين، الأرنب الراقص، الناموسة الدايخة، الأبكم الفصيح، الكتكوت المفترس، وكان هذا هو اسمي الحركي الذي أفتخر به، ولم يكن ينقصني وقتها إلا أن أعلّق النياشين على صدري.
ومرت الأيام، ودارت الأيام، مثلما غنت المرحومة (سومة)، وإذ بي ألتقي في مناسبة عرس وجهًا لوجه مع أحد أفراد (عصابة الفلتان)، ومن دون شعور مني عانقته وأنا أصيح: أهلاً (بالأرنب الراقص)، دون أن أنتبه إلى أن هناك ثلاثة من أبنائه يحفون به.
والآن كل شيء انتهى وأصبح الرجل يتقلد منصبًا رفيعًا، ولكن الحق يقال: إنه كان أبرع راقص شاهدته في حياتي، حتى ولا (ترافولتا) عندما كان في عزه.