توفيق السيف
كاتب سعودي حاصل على الدكتوراه في علم السياسة. مهتم بالتنمية السياسية، والفلسفة السياسية، وتجديد الفكر الديني، وحقوق الإنسان. ألف العديد من الكتب منها: «نظرية السلطة في الفقه الشيعي»، و«حدود الديمقراطية الدينية»، و«سجالات الدين والتغيير في المجتمع السعودي»، و«عصر التحولات».
TT

تمكين المجتمع ضرورة لنجاح التحول

الترحيب الواسع الذي حظيت به «رؤية المملكة 2030» كان تعبيرا عن شوق عارم للتغيير. شوق يملأ نفوس السعوديين جميعا، سيما الجيل الجديد الذي يريد مستقبلا مختلفا. هذا الجيل الناهض يعرف أن بلدنا تستحق أكثر مما حصل حتى الآن، وأنها قادرة على أكثر مما فعلته حتى الآن.
لسنوات طويلة، ابتلينا بفريق من العاجزين الذين لا يجيدون سوى التشكيك في قدرات المجتمع، وأهليته لإدارة نفسه وصناعة مستقبله. هذا الفريق ليس أشخاصا بعينهم، بل مسلك أخلاقي وثقافي ينظر إلى مجتمعنا مجموعة من التابعين، الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً. تجد هؤلاء المثبطين في التعليم والإعلام والمجالس العامة والمنابر والبنوك وقطاع الأعمال، وفي كل مكان.
ما زال الوقت مبكرا لوضع تحليل شامل عن «رؤية المملكة 2030». علينا انتظار الإعلان عن «برنامج التحول الوطني» الذي سيخبرنا عن خطط العمل التي ستضع الرؤية قيدَ التنفيذ، حتى بلوغ أهدافها المعلنة. لكني قلق من فريق التثبيط المذكور آنفا. أخشى أن ينهض مرة أخرى ليضع العراقيل، التي قد تقلب مفهوم التحول الشامل إلى خطة إنفاق واستهلاك كبرى. ذلك أن فريق التثبيط المذكور لا يؤمن بخيرية البشر، وأهليتهم لإدارة أنفسهم وحياتهم. كل فتاة وكل شاب في نظرهم هو «أبكم لا يقدر على شيء». ولهذا فعلوا كل شيء سوى تمكين المجتمع وإشراكه والاعتماد عليه.
يعرف دارسو علم الاجتماع أن النهوض الاقتصادي يؤدي بالضرورة إلى تحولات ثقافية واجتماعية، وانكسار لمنظومات القيم، وما يلحقها من تقاليد وأعراف. ويؤثر هذا بعمق على الرؤية السياسية لأفراد المجتمع سيما الشباب. ولهذا ميز الباحثون بين تنمية أحادية محورها تحسين حركية الاقتصاد، وتنمية شاملة مستدامة تهتم أيضًا بتمكين المجتمع من المشاركة في إدارة حياته وتقرير مساراتها.
تطمح رؤية المملكة 2030 إلى تحديث شامل للاقتصاد الوطني. ونعلم من تجارب بلدان مثل الصين وكوريا وغيرها، ومن تجربتنا الخاصة، أن حراكا ضخما كهذا لن يحقق غايته دون مشاركة كاملة من جانب المجتمع. مشاركة المجتمع في القرار، وفي التنفيذ، هو الذي يجعل «التحول» الاقتصادي عملا يوميا في حياة الناس.
نحتاج إذن إلى تطوير الإطارات الضرورية للمشاركة الشعبية، ونحتاج إلى تطوير القانون كي يستوعب ويحمي التفكير الجديد والمبادرات الجديدة. يجب أن يشعر الناس جميعا بأن مشاركتهم قيمة ومؤثرة، كي يعطوا من أنفسهم، وكي يتحملوا الصعوبات التي لا بد أن تظهر في مسار التحول.
يجب أن نغلق الطريق على فريق المثبطين الذين يريدون المجتمع كله متفرجا. كي نبني أمة قوية فاعلة، يجب أن يكون عامة الناس جزءا من المباراة، شركاء في صناعة الحدث، لا متفرجين على أخباره.