سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

معارك السادة الكتّاب: «دواء الضغط والسكري والأملاح»

بدأ الزميل صلاح منتصر، كاتب العمود الشيق في «الأهرام»، عمله الصحافي عام 1953 في «آخر ساعة»، التي اشتراها مصطفى وعلي أمين من محمد التابعي، وأسندت رئاسة تحريرها إلى محمد حسنين هيكل، فيما ظل التابعي يكتب المقال الرئيسي بعنوان «من أسبوع إلى أسبوع».
ويروي صلاح أنه في صيف 1955 دارت رحى معركة حامية بين التابعي ومصطفى أمين. الأول يكتب في «آخر ساعة» مدافعًا عن فكرة الحزب الواحد، والثاني يكتب في «أخبار اليوم» عن أهمية تعدد الأحزاب. أمين يقول إن الحزب الواحد فشل في ألمانيا وتركيا وإيطاليا. ويرد التابعي قائلاً إن موسوليني وأتاتورك وهتلر أعادوا بناء بلدانهم، ونفضوا عنها الصدأ والفساد.
وقال التابعي إن إيطاليا شهدت في ظل موسوليني حركة عمرانية وصناعية كبرى، وكذلك ألمانيا في ظل هتلر. ورد أمين في الأسبوع التالي بمقال تحت عنوان: «لا يا أستاذ تابعي. الحزب الواحد يعني الرجل الواحد». وواضح أن كلاً منهما كان يقصد الوضع في مصر بعد ثورة 23 يوليو (تموز) وهي تتجه نحو الحزب الواحد. وقال أمين: «الأستاذ التابعي يعتقد أن نظام الحزب الواحد هو الدواء الشافي لكل العلل والأمراض. وقد كنا نسمع إلى وقت قريب عن اختراع دواء عجيب يشفي ضغط الدم وفقر الدم والأملاح والسكري والبرد والحمى والإمساك والإسهال. وهو يتصور أن حزبًا واحدًا يحكمنا لعشر سنوات على الأقل يستطيع أن يفعل المعجزات، ويحوّل الصحراء إلى جنة، والحكام الفاسدين إلى ملائكة (...) فعندما يدخل الحزب الواحد من الباب، يخرج القانون من النافذة، وتخرج العدالة والمساواة، ومعها تخرج الحرية. وعشر سنوات بلا حرية معناها عشر سنوات بلا صحافة، وبغير الأستاذ التابعي».
وعاد التابعي يكمل مطالعته: «إن مصلحة الشعوب تتطلب في ساعة الشدة والأزمات، إرادة واحدة موحدة، لا أحزابا عدة تتنافس وتتطاحن. ومصر اليوم تجتاز مرحلة عصيبة. في الخارج، عدو عنيد صلب المراس. وفي الداخل، تركة مثقلة بأوزار الماضي وفساده، فلا تحدثونا إذن عن الأحزاب، وعودة الأحزاب. وإذا لزم الأمر، فإنني أرضى بالاستفتاء العام».
استغل رئيس التحرير حسنين هيكل اقتراح التابعي، وطرح المسألة على الاستفتاء في «آخر ساعة»، وسأل القراء: هل أنت مع التابعي أم مع مصطفى أمين؟ لكن التابعي طعن سلفا في نتائج الاستفتاء، وقال إن المجلة لن تجرؤ على نشرها. وفي أي حال، لن يكون الاستفتاء معبرًا لأن المواطنين من الفلاحين والعمال لا يقرأونها، أما المشاركون فعلاً فسوف يمالقون مصطفى أمين، صاحب الدار.
وفوجئ التابعي بالنتيجة: الأكثرية الكبرى تؤيد إلغاء الأحزاب، وإعلان الحزب الواحد. وعلق على ذلك بالقول إنه لن يغير رأيه في جدوى الاستفتاءات في أي حال. إنها غير دقيقة ولا معبرة عن الحقيقة.
إلى اللقاء..