خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

التقسيم التلفزيوني الحضاري

في هذا الزمن النحس الذي يتعارك فيه العراقيون والسوريون والليبيون بشأن تقسيم بلادهم، خطر لي أن ألاحظ هذا التقسيم الحالي حضاريًا في هذه الدول الغربية المستقرة، كما لاحظته أخيرًا. أخص بالذكر منها البلد الذي أعيش فيه، بريطانيا.
كانوا يقسمون بلادهم إثنيًا وقوميًا. هناك الاسكتلنديون، ويعرفونهم بالبخل والسُكر. وفي الغرب يقع الويلزيون، تلصق بهم صفة الفقر والصوت الجهوري الذي يعطيهم سمعة عالية في الغناء الأوبرالي. وإلى الجنوب منهم يعيش الكورنوليون الذين تعرفهم بسماجتهم وسذاجتهم. يشاركهم في ذلك الآيرلنديون الذين لهم هواية كبيرة بنظم الشعر والمناحة في المآتم.
هكذا كانوا يقسمون شعبهم ويصوغون شتى الحكايات والطرائف في إطارها. يقولون: ما الفرق بين الإنجليزي والاسكتلندي؟ الجواب هو أنك عندما تزور بيت إنجليزي يفتحون لك قنينة نبيذ، وعندما تزور بيت اسكتلندي يفتحون لك التلفزيون.
والتلفزيون أصبح هو المحرك للتقسيم الحضاري. تسمعهم يقولون جارتنا بنت من بنات هاونسلو. تسألهم ما هويتها؟ يجيبونك فيقولون إنك لا تتفرج على التلفزيون. فلو تابعت المسلسل لعرفتها. بنت هاونسلو هي بنت مسلمة من الطبقة المتوسطة، بنت ذوات ومثقفة ولكن لا تعجبها بعض عادات أسرتها.
بعد قليل تسمع عن بنات إسكس. وحسب المسلسل التلفزيوني، هي أي بنت من طبقة عمالية تتصف بالتبرج الرخيص وفضاضة السلوك والمظهر. والكلمة تسري على البنات والبنين أيضًا. ففي هذا الزمن زالت الفروق بين الذكور والإناث.
بنات تشيلسي، اصطلاح آخر قديم ينطبق على كل بنت غنية ومدلعة ومدللة وتلبس آخر موضات الموسم. كثيرًا ما تجدها تسوق سيارتها السبورت المكشوفة. كان لي صديق يذهب خصيصًا عصر كل يوم سبت إلى شارع كنغز رود في منطقة تشيلسي ليتفرج على بنات تشيلسي.
هناك أيضًا سيدات كينسنغتون. وهن السيدات المترفات، غالبًا من الطبقة الأرستقراطية. يتكلمن بلهجتهن الأرستقراطية المعروفة بلهجة كينسنغتون. قلما يمكن العثور على واحدة منهن في هذه الأيام. فقد احتل المتمكنون من العرب والصين واليابان هذه المنطقة في هذه الأيام.
للأكاديميين أيضًا فصيلتهم الخاصة. فصيلة الأُكسنيان. والأُكسنيان هو الرجل، أو المرأة، ممن تخرجوا من جامعة أكسفورد، أو درسوا فيها بحيث اكتسبوا مزية اللهجة الأكسفوردية الأرستقراطية الأكاديمية. لا يغرك سماعها فتتصور أن من يكلمك هو خريج من أكسفورد ويحمل شهادة دكتوراه. ربما كان مجرد شغال أو زبال فيها واكتسب هذه اللهجة المتعالية من تلامذتها.
الكوكني مجموعة عمالية كانت تسكن منطقة شرق لندن. إذا كنت أجنبيًا تعرفهم عندما لا تستطيع أن تفهمهم قط. فلهم لهجتهم الخاصة التي لها أدبياتها المتميزة بفكاهاتها وفزوراتها.