د. شمسان بن عبد الله المناعي
TT

أميركا في العراق.. وروسيا في سوريا

أصبح واضحًا بما لا يدع مجالاً للشك ذلك التنسيق في الأدوار بين أميركا وروسيا في المنطقة بما يخدم مصالحهما ويحقق أهدافهما، وما يجري في كل من سوريا والعراق ليس إلا نموذجًا لذلك، حيث بعد القمة الروسية - الأميركية في آخر شهر سبتمبر (أيلول) الماضي بدأ التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا، بحيث يكون للروس الدور الأساسي في إعادة ترتيب الوضع في سوريا، وخصوصًا أن لروسيا مصالح فيها، حيث كانت هي المصدر الأساسي للأسلحة لسوريا، وكذلك لها كثير من المصالح فيها، والأهم من كل ذلك أن سوريا هي الحليف الاستراتيجي لروسيا في المنطقة، ولا تزال، وهي تمثل ما تبقى لها من نفوذ فيها، ولذا يهم روسيا أن تكون في بؤرة مناطق الصراع في العالم، وبالتحديد في الشرق الأوسط، بعد أن فقدت نفوذها في المنطقة، فهي تخطط لعودة لعب ذلك الدور المفقود كدولة عظمى قبل تفككها في اتحادها مع عدة جمهوريات كانت تعرف بـ«الاتحاد السوفياتي».
وبالمقابل يكون لأميركا الدور الأساسي في العراق لتعزيز قوتها العسكرية ويكون لها اليد الطولى في الترتيبات العسكرية والأمنية والسياسية، ويعود إسناد هذا الدور لها إلى أن أميركا هي من غزت العراق، وبالتالي هي أدرى بما يدور في العراق، ومن جانب آخر تريد أميركا أن تبرز بعضًا من هيبتها وسمعتها التي لحقت بها عند غزوها العراق وفشلها في تحقيق أهدافها وانسحابها من العراق وتركه في وضع سياسي غير مستقر، وبالتحالف مع المنظمات المذهبية الشيعية وإيران، التي لها دور آخر في سوريا وهو مساندة لروسيا في حربها المساندة للنظام السوري.
وتصاحب هذا التنسيق في لعب الأدوار عملية تطهير عرقي للعرب السنة في كل من سوريا والعراق، وما يدلنا على ذلك المجازر الروسية اليومية بأحدث الأسلحة المحرمة دوليًا التي تجري على قدم وساق بأهم المدن الحيوية السورية والتطهير العرقي مثل ما يحدث بحلب، وفي العراق شهدت المحافظات السنية العراقية موجة تهجير قسري وإبادة في كثير من محافظات السنة العرب على يد الميليشيات المذهبية التابعة لإيران.
في ضوء هذا الفهم لسياسة التنسيق في توزيع الأدوار بين أميركا وروسيا نفسر ما تتعرض له مدينة الفلوجة من إبادة يشارك فيها تحالف يضم «جيش النظام العراقي» والميليشيات الطائفية والحرس الجمهوري الإيراني والدعم المساند الأميركي بحجة محاربة «داعش»، رغم أنه أخلى بعض ميليشياته من الفلوجة، وما نسمعه من قادة الحشد الشعبي من أقوال مثل «استئصال الورم في العراق» وهتافاتهم الطائفية، كلها تدل على أن ما يجري في الفلوجة يأتي في سياق التطهير العرقي والتهجير لأقوى مدينة للعرب السنة التي عجزت أميركا عند احتلالها العراق عن اقتحام هذه المدينة.
إن حجة القضاء على «داعش» في الفلوجة هي حجة مردود عليها، وذلك لأن الوجود الأكبر لـ«داعش» في شمال العراق، وبالتحديد في الموصل وفي سوريا. وهناك عدة أمور تؤكد نية الأميركيين والشيعة إبادة المدينة بمن فيها منها: عدم وجود خطة لدى حكومة بغداد من الأساس من أجل إنقاذ المدنيين المحاصرين الواقعين بين مطرقة المعارك العشوائية المستمرة وبين نقص مستلزمات المعيشة والدواء بسبب الحصار الخانق المضروب عليهم منذ شهور، فلا إمكانية للهرب من هذا الواقع، ليظل مصير المدنيين مجهولاً للمراقب، معلومًا لمن يعلم حقيقة الصراع وأبعاده وخلفياته التاريخية والطائفية. ومنها أيضًا تراجع الحكومة عن وعودها في عدم مشاركة الحشد الشيعي في المعركة بسبب الحساسية المذهبية. لكن الحشد الشيعي أصر على المشاركة ورفع شعار «العملية نمر»، وهو ما يُظهر البعد الطائفي الذي تخوض به ميليشيا الحشد الشعبي المعركة.
تنظيم داعش الإرهابي أصبح كالشماعة التي يعلق عليها كل الأحداث التي تدور وتجري خصوصًا في سوريا والعراق، وإلا فما معنى أن تتجه كل الأنظار إلى ما يقوم به «داعش» وتحركاته في المنطقة ويتم تجاهل كل القضايا الأخرى كالأزمة السورية وما يحدث في اليمن ويتم التركيز فقط على «داعش»؟ الأيام المقبلة كفيلة باكتشاف كثير عن ذلك التحالف الأميركي الروسي في المنطقة، وكأن التاريخ يعيد نفسه عندما كان يوجد في العالم قطبان.
هل تفشل الحرب على الفلوجة للمرة الثالثة وتدخل مدينة الفلوجة التاريخ من أوسع أبوابه وتختلط الأوراق من جديد في العراق ويرجع الوضع السياسي إلى المربع الأول؟ أم تنجح «النعاج» فيما فشل «النمر» في تحقيقه؟