حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

العشوائية الهدامة!

فشل التخطيط ومنظومته يَظهر جليًا في العالم العربي في المدن الرئيسية فيه على شكل المناطق العشوائية، التي انتشرت وتوسعت وتمددت بشكل أشبه ما يكون بالخلايا السرطانية الخبيثة حول الجسم السليم. مناطق أهملت وتم تجاهلها فكبرت لولادتها خارج الرحم، وتحولت إلى بؤر وجيوب للبطالة والجريمة والفوضى.
العشوائية السكانية هذه ليست بالحالة الفريدة والاستثنائية، ولكنها مرآة عامة للعشوائية التي انتشرت وأصبحت ركيزة في الحياة العامة. فهناك عشوائية سياسية وعشوائية اقتصادية وعشوائية فكرية وعشوائية اجتماعية وعشوائية دينية. قرارات سياسية «عشوائية» دفعت المنطقة بأسرها أثمانًا لها ولا تزال. قرار صدام حسين بغزو الكويت، قرار بشار الأسد بتدمير شعبه، قرار حسن نصر الله بالقتال دفاعًا عن بشار الأسد.. وغير ذلك من القرارات الهمجية التي يقال عنها عشوائية تأدبًا.
لغة الشوارع والعشوائيات باتت تسيطر على الخطاب الشعبي في الإعلام، وأصبح بالتالي من المألوف جدًا مشاهدة مناظر العراك بالأيدي والتلافظ والسباب، ولم تسلم من ذلك بعض البرامج الدينية وبعض الدعاة الوعاظ الذين يظهرون عليها. العشوائية ليست حالة تنموية ولكنها حتمًا حالة أخلاقية تغلبت فيها لغة الشوارع والسوقية على منطق الأخلاق والتهذيب والرقي. تدهورت الأمور وحدث هناك «قبول» و«تمجيد» للأخلاق والتصرفات العشوائية هذه، واستخدمت وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أشكالها «لنشر» الغسيل القذر والافتخار به، تارة كمادة للسخرية والتندر، وتارة لإثارة الإعجاب والتحفيز على التقليد بشكل ساذج وغبي.
العشوائية ليست حالة تنموية فقط ولكنها حالة عامة؛ فهي وحدها التي تسمح بظهور شخصيات مثل حسن نصر الله، متحدثًا عن قيمة محترمة اسمها المقاومة، وهو يكذب جهارًا نهارًا ويقتل الأبرياء باسم ذلك في سوريا.
زمن العشوائيات يظهر على الأرض وفي الفضاء وفي صفوف المدارس وتحت قبة البرلمان وفي أسواق المال. حجم العشوائيات ينتشر بقدر القبول الخفي بها والسماح لها بالمزيد من التوغل.
عشوائية الإفتاء تدهورت لتصل إلى التشدد، حتى وصلنا إلى تصدير الإرهاب. عشوائية الاقتصاد تطورت حتى ركزنا على المواد الأولية وأهملنا الصناعات التحويلية لهذه المواد، فتفوقت دول أخرى منتجة لموادنا بشكل مطور ولكن بقيمة أكبر ومضافة. العشوائية الثقافية تطورت لتؤصل خطابًا اجتماعيًا متطرفًا ولَّد العنصرية والتمييز حتى ترك خلفه مجتمعات هشة تشك في نفسها ولا تثق ببعضها بعضًا.
العشوائية ليست حالة تنموية فقط، هي حالة عامة نعيشها وعلاماتها وأعراضها في كل مكان. إذا كانت دولة عظمى بنت سياستها في المنطقة على فكرة الفوضى الخلاقة، فالعرب ارتضوا أن يتعايشوا مع فكرة العشوائية الهدامة!