مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

«التأسيس السعودي» فلبي ضد المدارس!

لم يكن مشوار التعليم سهلا بقصة التأسيس السعودي، له فصول تروى، وقصص تحكى.
تحدث الواصفون من أبناء البلاد أو ممن عملوا بخدمة عبد العزيز والدولة من أبناء العرب، وغير العرب، أو من الزوار، عن واقع التعليم بوسط السعودية وغربها وشرقها وشمالها وجنوبها، في شتى مراحل التأسيس، منذ سلطنة نجد، ثم سلطنة نجد وملحقاتها، ثم سلطنة نجد وملحقاتها ومملكة الحجاز، ثم الاسم النهائي: المملكة العربية السعودية.
كانت بلاد نجد وسهوب الشمال وجبال الجنوب وتهائمه، تكاد تكون نسخة من القرون الماضية، ما خلا أفرادا أو أسرا ما، كانت الأمية هي السائدة، ربما كانت جدة ومكة – إلى حدّ ما - مستثناة.
كعادة الناس تجاه كل جديد، كان التعليم الحديث موضع استغراب، وأحيانا مقاومة، من قبل الأهالي، لكن غير المتوقع، أن تأتي المقاومة للتعليم الحديث، من رجال، هم من مخرجات أرقى الجامعات!
يروي المؤرخ السعودي فهد المارك عن مستشار الملك عبد العزيز، الليبي السعودي (خالد القرفني) قال: «كان الحديث بمجلس الملك عبد العزيز يدور حول التعليم، وفتح المدارس بنجد على الطراز الحديث، وهناك تصدى للحديث السيد (فلبي) وقال عبارة تشير لعدم فائدة التعليم، فرد عليه (القرفني) معارضا: تودّ أن الشعب الإنجليزي متعلم أم تودّ أنه جاهل؟ وهل أنت تركت أولادك جهالا أم علمتهم؟ فلم يجد (فلبي) جوابا أمام حجة الشيخ خالد هذه».
كما يروي المارك عن أمير الشمال، وزير الزراعة، المرحوم عبد العزيز الأحمد السديري أنه جرى بينه وبين عالم مصري - سعودي جدال في مجلس الشيخ محمد بن إبراهيم، مفتي الديار السعودية، وكان الجدال حول تعليم البنات، يقول: «فما كان من الشيخ المصري، إلا أن أبدى اعتراضه الشديد على تعليم البنات قائلا: إن تعليمهن عامل رئيسي في فسادهن. فرد عليه عبد العزيز السديري قائلا: ولماذا تعلم بناتك اللاتي في مصر ما دام تعليم البنات مفسدة لهن؟». (شيم الملك عبد العزيز ج 3 ص 327 - 328).
عبد العزيز السديري هذا رائد من رواد الانفتاح والتعليم والزراعة و«إنعاش البادية»، حين كان أميرا للشمال كله.
المؤلف فهد المارك اعتبر هذه المواقف من باب التزلف للحاكم، وبنظري أنها ليست كذلك، بل حرص «رومانسي» على بقاء «الفطرية» الصحراوية كما هي، بسبب الخوف «النفسي» من قوة الحضارة، وهذا تيار معروف في الغرب، وبنسبة ما لدى حواضر العرب في تلك المرحلة، وهو بحث آخر. الحاصل، هو أن إطلاق قطار التعليم السعودي الحديث، كان صعبا وعسيرا.