راجح الخوري
كاتب لبناني
TT

زيارة عمّقت الشراكة بين حليفين تاريخيين

شكّلت زيارة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة منعطفًا في مسار العلاقات التاريخية بين البلدين الحليفين، ليس لأنها أعادت تأكيد عمق الشراكة التي تجمعهما منذ سبعين عامًا فحسب، بل لأنها رسمت أفقًا لمستقبل أعمق وأوثق في هذه الشراكة، وخصوصًا في ظل دخول العاملين الاقتصادي والتكنولوجي عنصرًا مهمًا على التعاون المستقبلي بينهما.
مع انتهاء اللقاء مع الرئيس باراك أوباما، حرص البيت الأبيض على التنويه بأهمية المحادثات التي جرت مع ولي ولي العهد، عندما كشف الموقع الإلكتروني الخاص به عن أهم عشرة موضوعات محلية وإقليمية ودولية جرت مناقشتها، وأكدت في مجملها على رسوخ الشراكة الاستراتيجية التي تجمع بين واشنطن والرياض.
وأوضح الموقع أن الرئيس الأميركي التقى الأمير محمد بن سلمان استكمالاً للمحادثات التي بدأت في شهر أبريل (نيسان) الماضي خلال القمة الأميركية - الخليجية التي عقدت في الرياض، وأنه عبَّر عن تقديره وامتنانه للمساهمات العميقة والفعّالة التي تقدمها المملكة العربية السعودية في الحملة على تنظيم داعش، وفي هذا السياق، كان وزير الخارجية جون كيري قد أعلن بعد لقائه مع الأمير محمد، أنه لولا السعودية ما كان ممكنًا قيام التحالف الدولي ضد الإرهاب الذي أعلن من جدة.
وأشار موقع البيت الأبيض إلى أن المحادثات شملت المكاسب الأخيرة التي حققتها الحملة ضد «داعش» في العراق، وتطرقت إلى مناقشة الخطوات التي يمكن اتخاذها لمساعدة العراقيين، وخصوصًا على صعيد زيادة المساعدات الإنسانية العاجلة والمستلزمات اللازمة للاستقرار، كما ركّزت المحادثات على الأزمة السورية المتمادية وضرورة العمل على دعم وقف إطلاق النار، وإنهاء أعمال العنف والأعمال العدوانية، وعلى وجوب ترتيب انتقال سياسي للسلطة بعيدًا عن الرئيس بشار الأسد.
وعند انتقال الحديث إلى الوضع في اليمن، رحّب الرئيس الأميركي بالتزام المملكة العربية السعودية بالتوصل إلى تسوية سلمية للنزاع، وكذلك بالجهود التي تبذلها دول «مجلس التعاون الخليجي»، في مجال ترجمة شعار «إعادة الأمل» عنوانًا لتلبية الاحتياجات والمتطلبات الإنسانية العاجلة تمهيدًا لإعادة البناء. وفي سياق متصل له معناه السياسي العميق، أشار الموقع إلى أن المحادثات تطرقت بإسهاب إلى النشاطات الإيرانية المزعزعة للاستقرار في المنطقة، ولم يغب الوضع في ليبيا عن المحادثات التي أكدت على ضرورة دعم حكومة الوفاق الوطني في مواجهة «داعش».
النقاش شمل أيضًا الدور المهم الذي يمكن أن تلعبه المملكة في مواجهة آيديولوجيا التطرف، ومن المعروف هنا أن الرئيس الأميركي سبق أن أعرب عن إعجابه بنجاح السعودية في محاربة الإرهاب، وكرر دائمًا أن السعودية هي الأنجح والأقدر في هذا المجال منذ أعوام.
ولم يغب الموضوع الاقتصادي عن المحادثات التي تضمنت إشادة من أوباما وثناءً على الإصلاحات التي تقوم بها المملكة على الصعيد الاقتصادي، مؤكدًا أن الولايات المتحدة مستعدة لتقديم أقصى الدعم لتحقيق الأهداف الطموحة التي تضمنتها «رؤية السعودية 2030»، التي كان الأمير محمد بن سلمان قد أعلنها.
كان لافتًا أيضًا أن موقع «البنتاغون» حرص على نشر تقرير عن اللقاء بين وزير الدفاع آشتون كارتر والأمير محمد، والقضايا التي تم التطرق إليها، والتي تركزت على المواضيع الأمنية التي تهم البلدين، والتي تتصل بطبيعة الحال بالتطورات في اليمن وسوريا والعراق والحرب على «داعش»، وقد حرص كارتر على الإشادة بالدور السعودي الفعال والمهم الذي أكدته العمليات الناجحة الأخيرة التي استهدفت «القاعدة» في الجزيرة العربية.
في محطاتها الثلاث؛ السياسية في واشنطن، والاقتصادية في نيويورك، والتكنولوجية في كاليفورنيا، شكلت الزيارة محور متابعة واهتمام كبيرين، ولهذا أجمعت التعليقات على أنها زيارة ماراثونية عكست عمق العلاقات الاستراتيجية بين البدين، ولم يكن مفاجئًا قط أن تحظى بكل هذا الاهتمام من الأوساط الاقتصادية، وخصوصًا أن المراقبين في هذا المجال رصدوا لهفة أميركية للقاء ولي ولي العهد، خصوصًا بعد مقابلاته الشاملة والعميقة مع «إيكونوميست» و«بلومبيرغ» التي رسمت أفقًا رحبًا لطموحاته.
بريان كاتوليس الذي كان مسؤولاً في مجلس الأمن القومي خلال إدارة بيل كلينتون والذي يعمل خبيرًا في «المركز الأميركي للتقدم»، قال مع بداية الزيارة في لقاء صحافي إن مدلول الزيارة وتوقيتها مرتبطان بالظروف السياسية وكذلك بالظروف الاقتصادية، وإن خطة الأمير محمد بن سلمان الاقتصادية والقضايا السياسية العالقة مع الإدارة الأميركية تتشابك وتحيط أفق العلاقة اليوم، وينبغي إحراز تقدم على المستوى السياسي لاستنباط نتائج على المستوى الاقتصادي.
وإذا كان كاتوليس يرى أن المهمة الأولى للزيارة هي مخاطبة الأميركيين مباشرة، وتبديد أي أسئلة في الوسط السياسي والشعبي حول السعودية، فإن مسلسل المحادثات السياسية والاقتصادية والتكنولوجية التي جرت خلال هذه الزيارة التاريخية من حيث المحتوى والمضمون والنتائج رسمت صورة بانورامية واضحة وشاملة، سواء بالنسبة إلى ترميم الشراكة التاريخية بين البلدين، أو بالنسبة إلى رسم أفق يحدد رؤية العلاقات السعودية الأميركية 2030، وما بعد 2030.
ولعل تصريح السيناتور الجمهوري توم كوتن بعد لقاء الأمير محمد مع قادة وزعماء في الكونغرس يشكل دليلاً على هذا، عندما يقول إنه يقدّر التبادل المثمر والصريح لوجهات النظر مع ولي ولي العهد، الذي يعكس الشراكة الوطيدة والوثيقة وطويلة الأمد بين البلدين، وإن «رؤية السعودية 2030»، وهي المبادرة الواعدة التي ستؤدي إلى تنويع الاقتصاد السعودي في القرن الحادي والعشرين، وفي السنوات المقبلة، وإن المصالح الحيوية والمشتركة بين البلدين سوف تستمر وتتعمق، لمواجهة التحديات السابقة واغتنام الفرص الجديدة.
«رؤية السعودية 2030» كانت قد سبقت الأمير محمد بن سلمان إلى قمة العالم التكنولوجي في «وادي السيلكون» (silicon valley) في ولاية كاليفورنيا، بدليل أن مجلة «فوربس» حرصت على رصد كل خطوة وكل حديث وكل اتفاق أبرمه ولي ولي العهد مع الشركات العملاقة («سيسكو سسيتمز»، «آبل»، «مايكروسوفت»)، وذلك انطلاقًا من تصميمه على تأهيل الكفاءات الوطنية ودعم التحوّل الرقمي والابتكار القائم على المعرفة بهدف تحويل السعودية مملكة رقمية وفقًا للهدف الأعمق الكامن أصلاً في «رؤية السعودية 2030».
الرئيس التنفيذي في «مايكروسوفت» ساتيا ناديلا أبدى، بعد لقائه الأمير محمد، حماسة للشراكة مع المملكة وفق مبادرته الهادفة إلى تحويل السعودية مملكة رقمية، مشيرًا إلى أن المشاريع التي سيعمل عليها مع السعودية، منها ما يتعلق بتحويل البيانات.. ثروة نفطية جديدة تساعد على الاستقراء وخلق قوة تحليلية كبيرة.. «ستأتي (مايكروسوفت) بالتكنولوجيا لتسهم في ترجمة (رؤية السعودية 2030) وكيف يمكن الابتكار في مجال البيانات ورأس المال البشري، ونحن نتطلع إلى أن يتم ذلك في أقرب وقت ممكن».