طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

بيان «تيجان كاراش»

المذيعة التركية الحسناء تيجان كاراش صارت هي نجمة «الميديا» في تركيا الآن، بعد أن أذاعت بيان الانقلاب، وبعد نصف ساعة أذاعت بيان فشل الانقلاب، أكدت المذيعة أنها قاومت، ولكنهم أجبروها تحت تهديد السلاح على إعلان البيان الأول، ذكرني البيان، بما حدث في مصر قبل نحو 64 عاما، قبل ساعات احتفلنا بذكرى ثورة 23 يوليو (تموز)، لن نتحدث عن الثورة، ما لها وما عليها، فهي في ذمة التاريخ، وهناك من هم أحق مني بالطبع في التحليل، ولكن دعونا نتذكر كيف جاء البيان الأول الذي أذاعه أنور السادات، وكان وقتها أحد رجال الضباط الأحرار، ولم تكن اسمها ثورة بل في البدايات قالوا عنها «حركة مباركة» يقصدون بالحركة ما تم بالجيش من تغيير في قيادات نادي الضباط وتصعيد للواء محمد نجيب، أول رئيس لمصر، وليس كما تعلم جيلنا في الكتب المدرسية خطأ أن عبد الناصر كان هو الرئيس الأول، أما وصف الحركة بالمباركة فهي تعني إضفاء قدر من الحماية الأدبية ليتوافق عليها المصريون، تاريخيا حاصرت وحدة صغيرة من أفراد الجيش المصري مبنى الإذاعة، وصعد السادات إلى استوديو الهواء ومعه البيان الأول، ليلقيه لتصبح هناك «حركة» معترف بها، مصريًا وعربيًا وعالميًا، المذيع فهمي عمر، أمد الله في عمره، كان هو المسؤول وقتها عن برنامج الهواء، وعلى حد قوله، كان على عكس المذيعة التركية متحمسا، وكان يعرف ملامح أنور السادات الذي كانت الصحافة قد نشرت صورته قبلها في قضية جنائية اتهم فيها باغتيال أمين عثمان أحد رجال السياسة قبل 23 يوليو.
يجب أن نتذكر أننا عرفنا البث التلفزيوني عربيًا عام 1960، أي أن الإذاعة كانت هي الوسيلة الأكثر انتشارا وتأثيرا، فكان يكفي البيان الأول، لنجد أن الكل يترقب، وعددًا من الأغاني تتم كتابتها للتأييد، وبعض السينمائيين يضيفون في أفلامهم قبل العرض بأيام قلائل ما يفيد بأنهم مع الثورة. تذكروا فقط أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان استعان بالهاتف الجوال، وعن طريق «سكايب»، أجهض الانقلاب، في رسالة وجهها للشعب طلب منهم النزول للشارع، والملاحظ أن إردوغان لا يتعامل كثيرا مع وسائط الاتصال الاجتماعي، ولكن المضطر يركب الصعب.
في عالمنا العربي خلال الخمسينات كانوا يذكرون ساخرين أن من يصحو مبكرا من الضباط في دمشق ويحتل الإذاعة يحكم البلد.
كانت الإذاعات تشغل فعلاً المكانة الأولى، وهكذا استخدمها هتلر ومدير دعايته غوبلز في غسل مخ الشعب الألماني في ثلاثينات القرن الماضي.
ظلت الإذاعة ملكة متوجة، لدرجة أنها كانت هدفا استراتيجيا للعدوان الثلاثي على مصر عام 1956، عدد من المطربين عندما علموا بذلك أصابهم الرعب، وألغوا تسجيل أغانيهم الوطنية، بينما أم كلثوم ذهبت وسجلت نشيد «والله زمان يا سلاحي» الذي كان في الماضي هو النشيد الوطني والسلام الجمهوري لمصر.
كان الخوف يسيطر على القيادة السياسية من ضرب موجة البث الإذاعي في القاهرة، ولهذا أعدوا موجة سرية، باقي الحكاية أن الإذاعة المصرية لم تُضرب، وبعد بضع سنوات قرروا أن تظل هذه الموجة سرية تبث أغاني لأم كلثوم فقط، أطلق عليها الناس محطة أم كلثوم، بعدها صاروا يقدمون أغنيات لكل المطربين، ولكنها لا تزال سرية وتحمل اسم أم كلثوم.
الدنيا تغيرت، ولم يعد بيان قادرًا على تغيير نظام، ولكن الشعوب هي فقط صاحبة القرار، لم ينجح الانقلاب التركي بسبب بيان «تيجان»، ولم يفشل بعد بيان «تيجان»، ولكنها في الحالتين إرادة شعب!