جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

موضة «الدواعش»

لطالما نظر إلى اللحية على أنها رمز للرجولة والفحولة، ففي القرن السابع عشر كان يثبت الرجل مفاتنه الرجولية من خلال شعر وجهه، وفي تلك الفترة ساعد ارتفاع درجة الحرارة في نمو الشعر على الوجه، وحينها لم يدرك الرجل كيفية تشذيب لحيته إلى أن وجدت الشفرة في عام 1770 وأصبحت متوفرة للاستخدام الشخصي، وعرف حينها الرجل كيف يتعاطى مع زحف شعر وجهه وحسن مفاتنه.
قد تتساءلون عن سبب هذه المقدمة، والجواب هو أنني تفاجأت خلال وجودي في لبنان خلال إجازتي السنوية، بنسبة الرجال الملتحين، وما لفتني أكثر هو انتشار هذه الظاهرة في أوروبا أيضًا. أما في لبنان فقد قلت في قرارة نفسي قد يكون السبب العلمي لذلك هو التكوين البيولوجي للرجل الشرقي والحرارة التي تساعد على نمو الشعر، وقد لا يكون أمام الرجل اللبناني الوقت الكافي أيام الصيف لحلق ذقنه، ولكن عندما عدت إلى لندن لاحظت أن أصحاب العيون الزرقاء هم أيضا تبنوا موضة «داعش»، وأعني بهذه الموضة ترك اللحى تنمو وتزحف تمامًا مثل أشكال الملتحين «الدواعش».
وعندما تمعنت في الموضوع أكثر اكتشفت أن للّحية يومَها، ففي الخامس من سبتمبر (أيلول) تحتفل بريطانيا باليوم الوطني للّحية، وليس هذا فقط بل إن اللحى وهذه الموضة الرجالية ساعدت الاقتصاد البريطاني، وفتحت أبواب النعمة على الحلاقين، فتشهد بريطانيا حاليًا افتتاح 12 صالونًا للرجال في الأسبوع الواحد لتزايد الطلب من الزبائن على تشذيب اللحى وترتيب شعر الوجه.
وتشير الأرقام إلى أن بريطانيا شهدت في عام 2015 افتتاح 626 صالون حلاقة، أي بزيادة 10 في المائة عن العام الذي سبقه.
وهذه الظاهرة لا تزال مستمرة، فإذا ما نظرتم من حولكم ستجدون الكم الهائل لأصحاب اللحى، والأغلبية الكبرى تنطبق عليها مقولة برنارد شو الشهيرة: «غزارة في الإنتاج وسوء في التوزيع»، ففحولة الرجال هذه الأيام مرسومة على الوجه وليست على الرأس.
ولكن السؤال الذي يحيرني، ما سبب انتشار هذه الظاهرة حاليا؟ في وقت نجد فيه أمن العالم والكرة الأرضية مهددًا وغير آمن، وفي وقت تلتفت فيه الوجوه بمجرد رؤية سحنة شرق أوسطية ولحية وأي شيء له علاقة بأناس التهوا بقطع الرؤوس بدلاً من قطع الشعر.
عندما كنت في المطار تعجبت من وجود نسبة عالية من الملتحين من السياح والعمال والمستقبلين والمودعين، ولكن كيف يمكن أن نميز ما بين اللحية البريئة واللحية غير البريئة؟ الجواب في رأيي صعب وما يحيرني أكثر أنه في أعقاب الأحداث التي ضلع في بطولتها، للأسف، أشخاص من منطقتنا العربية، كان الغرب ينظر إلى الرجل الملتحي على أنه تابع لخلية نائمة أو عائمة أو حتى خلية نحل، فقط لأن أصابع الاتهام كانت توجه إليه بسبب سحنته ومظهره، ولكن اليوم تبنى الغرب موضة اللحى التي أصبحت ترعب الشرق أيضًا لأن الإرهاب آت من جهته.
أخيرًا، أرجو من أصحاب اللحى الرأفة بعيون المتضررين ومشاعرهم من المشهد، فاللحية تكون جميلة إذا بقيت في حدود المعقول، ولكن عندما يتحول الرجال إلى عارضين في مجلة «فوغ الداعشية» فلا بد أن ندق ناقوس الخطر ونقول: «الشفرة رخيصة ومتوفرة.. الرجاء شراؤها».