خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

من ظرفاء السياسة البريطانية.. أورشليم وسواها

كما يفعل ساستنا وكتابنا ومفكرونا، في الاقتباس من القرآن الكريم، كثيرًا ما يفعل الغربيون مثل ذلك في اقتباساتهم من الإنجيل. اعتاد الاشتراكيون والعماليون على ذكر «أورشليم» في إشاراتهم إلى سعيهم لبناء مجتمع عادل وسعيد. كان الشاعر وليم بليك من أول من فعلوا ذلك في قصيدته الشهيرة «أورشليم» التي يقول فيها:
لن نتوقف عن نضالنا الفكري
حتى نبني أورشليم على سهول إنجلترا الرخية الخضراء
هكذا تبنى اليساريون شعار «أورشليم» في إشاراتهم تطلعًا لذلك المجتمع. وأصبح من المعتاد لأعضاء حزب العمال أن يختتموا مؤتمراتهم بغناء أنشودة وليم بليك المذكورة أعلاه.
حدث في العشرينات، أن استقال وجويد بن، والد أنتوني بن، من حزب الأحرار وانتمى لحزب العمال. فسعى ديفيد لويد جورج زعيم حزب الأحرار إلى السخرية منه ومن صغر جسمه. أشار إليه بإصبعه الصغير، وقال: «هذا الرجل الصغير بحجم هذا الجيب يريد أن يقود قومه إلى (أورشليم الجديدة)». وقف وجويد بن وقال: «على الأقل إنني لا أسجد للعجل الذهبي»، وهي إشارة توراتية إلى الطمع والجري وراء المال. وهو ما وصفوا به لويد جورج. وكان ذلك إشارة جارحة لرئيس الوزراء الذي اتهموه دومًا بالجري وراء أصحاب الثروة، التهمة التي يلصقونها هذه الأيام بتوني بلير.
كان هناك نزاع شديد بين فرنسا وإنجلترا، جله في التسابق على المستعمرات. حاول لويد جورج أن يخفف من شدة النزاع بين كليمنصو، رئيس الحكومة الفرنسية ووزير الخارجية البريطاني. ويخفف حرارة هذا النزاع بأن أشار إلى شجاعة الجنود الفرنسيين في الحرب. فرد عليه كليمنصو «هذا لأن جنودنا أبلوا بلاء حسنًا في القتال لأنهم كانوا يتصورون أنهم إنما يحاربون الإنجليز!».
هكذا صاحبت السخريات سير تلك المفاوضات. ولا عجب فكليمنصو ولويد جورج كانا أعظم من ظهر على ساحة السخرية السياسية. عمد لويد جورج إلى تحذير وزير الخارجية الفرنسي المسيو بريان فقال له: «أنتم معشر الفرنسيين مغرورون. ولكن الحذار، فبين الغرور والسخف ليس ثمة شيء غير مسافة قصيرة». فرد عليه الفرنسي: نعم بحر المانش.
وسرت روح السخرية إلى النساء أيضًا. كانت زوجة لويد جورج متدينة جدًا. عرفت أن وزير الخارجية الفرنسي بريان لم يتزوج. فأرادت أن تغمز من قناة الوزير فسألته: هل أنت متزوج؟ أجابها قائلاً: كلا يا سيدتي فأنا في هذا الميدان أفضل أن أعيش عيشة اشتراكية!
لاحظت ذلك إحدى السيدات فخطر لها أن تصطاده، فراحت تطارده أينما ذهب. لم تكن على درجة كافية من الجمال، فقال لها: احذري يا سيدتي فأنا أفضل الصيد بالقصبة والصنارة. وكانت إشارته إلى هوايته في صيد السمك.
وعندما دارت إشاعات بأنه سيتولى رئاسة الحكومة سعى إلى نفيها نفيًا قاطعًا. فقالوا له: ولِمَ ذلك؟ فهناك متسع من الوقت لتواصل هوايتك في صيد السمك. فقال: نعم صحيح، ولكن السمك حالما يسمع بتسنمي كرسي الحكم سيذهب وينضم للمعارضة!