قالت الفنانة اللبنانية عبير نعمة إن «الموسيقى شغفها منذ الصغر، وإن أحياءها لمهرجانات بعلبك هو بمثابة مفصل تاريخي في مشوارها الفني. وأضافت في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لقد تربّيت على أغاني عمالقة الفن، وكنت في الثامنة من عمري عندما كنت أؤدّي أغاني لأسمهان وأم كلثوم؛ فوالدي كان يعدّ الموسيقى تربية تهذّب النفس والروح، وبفضله وصلت إلى ما أنا عليه اليوم». وعن ردّة فعلها تجاه اختيارها من قبل لجنة المهرجانات المذكورة، تقول «أنا محظوظة دون شك؛ فهو حلم لطالما راودني منذ نعومة أظافري، واجتهادي في هذا المجال كان وراء اختياري من قبل لجنة المهرجان. فلقد وقفت على مسارح عالمية كبرى في العالمين العربي والغربي، إلا أن لبعلبك وقعا مختلفا؛ فهياكل القلعة وضخامتها تزود من يقف على أدراجها قوة لا تشبه غيرها». وأضافت: «لقد أعطتني اللجنة، وهي مشكورة، بطاقة خضراء لأحضّر برنامج المهرجان على طريقتي، فكان لها ثقة عمياء بخياراتي، وقد اطّلعت على ما سأغنيه قبل أيام قليلة من موعد الحفلة بحيث تابعتني خلال التحضيرات والبروفات».
نجحت عبير نعمة في ترسيخ هويتها الفنية في حفلة بعلبك، فغنّت بسبع لغات (تركي وأرمني وإيراني وعربي وإسباني، وغيرها)، هي التي تجيد الغناء في خمس وعشرين لغة؛ فسافر الجمهور معها وعلى مدى تسعين دقيقة إلى جغرافيا وتاريخ موسيقى بلدان عدة تحت عنوان «المتنبي مسافرا أبدا»، فأدت التراثية منها «فوق النخل» و«لما بدا يتثنى» و«يا مايلة على الغصون»، وأخرى شعبية لسيد درويش «طلعت يا محلى نورها»، كما غنّت الفولكلورية منه الزكي ناصيف، الذي تقول عنه: «لقد اخترت الغناء له لأنه جذّر الأغنية اللبنانية التراثية في العالم، وابتكر نمط موسيقى لبنانية خاصة ببلاد الأرز، تماما كالرحابنة وفيلمون وهبي؛ فهؤلاء هم من صنعوا الأغنية اللبنانية ونشروها عبر العالم». أما سيد درويش فهو بنظرها عبقري موسيقي، طوّر الموسيقى المصرية بشكل لافت، وأخذها إلى عالم مختلف تماما: «هو برأيي أهم صنّاع الموسيقى المصرية، وملحن استثنائي، إن في تفكيره أو موسيقاه؛ فلقد استطاع أن يغير بفورمات الموسيقى العربية، وأضاف إليها الجديد بعد أن قرّبها من الأوركسترالية؛ ولذلك شكّل علامة فارقة في الموسيقى العربية ككل، بحيث يمكن القول إن هناك ما قبل السيد درويش وما بعده».
وعن أسلوبها الغنائي، قالت: «لقد أنعم عليّ رب العالمين بصوت ذي آفاق واسعة أستطيع أن أتحكّم به، فأتنقّل بواسطته إلى طبقات غنائية مختلفة. وأنا من النوع الذي يغوص في الموسيقى، وأحترم خصائصها وأضع فيها من عندياتي، فآخذها إلى عالمي الخاص وأحوّرها على طريقتي دون المسّ بهويتها. وأجد أن الموسيقى العربية تشبهني أكثر من غيرها، وألاقي فيها نفسي».
عبير التي احتشد جمهور غفير لحضورها في بعلبك، وكان والدها من بينهم، خاطبته بعفوية على المسرح قائلة له «بابا أنا في بعلبك»، كمن وخذ نفسه بحقنة من اليقظة في ظلّ لحظات حالمة. «أردت أن يفتخر بتربيته لي؛ فبرأيي، لا المدرسة ولا الجامعة يضاهيان التربية المنزلية بدروسهما. وكنت في بعلبك فنانة حقيقية تغني بعزم وكأنني وحدي أمام المرآة، فتوجّهت إليه لاشعوريا ضمن إحساس ينبع من أعماقي». سبق وغنّت عبير نعمة على مسارح بلدان عدة في ألمانيا، وأستراليا، واليونان، ونيجيريا، والسويد، ومصر، والعراق، وأميركا والمغرب، وغيرها. وسطع نجمها من خلال أغان خاطبت فيها كل بلد بلغته: «هي ليست عملية استعراض عضلات، فصحيح أنني أجيد الغناء بخمس وعشرين لغة، ولكن ذلك يعود لأبحاثي الموسيقية، وشغفي بهذا المجال. فأنا من خلال البرنامج التلفزيوني الذي أقدمه (اثنوفوليا) جلت في بلدان عدة تعرّفت فيها إلى أنماط موسيقية جديدة (كالإفريقية والإسبانية والتركية)، فغرفت منها ثقافة اللغات والإيقاع والعزف، وكل ما له علاقة بمجال الموسيقى؛ كي أكون قريبة منها قدر الإمكان».
ويعدّ برنامج «اثنوفوليا» الموسيقي الذي تقدمه عبير نعمة منذ سنتين على قناة «الميادين»، واحدا من البرامج النادرة الذي يلقي الضوء على حضارة الشعوب من خلال الموسيقى التي تعزفها أو ترقص عليها.
ولكن ماذا يعني أن تكون مغنية وباحثة موسيقية معا؟ «هي دراسة أكاديمية تصقل مسيرة الفنان فيتعلّم منها كيفية تطور الموسيقى، التي مهما اختلفت جنسياتنا تبقى اللغة الوحيدة التي يمكن أن نتواصل بها، فحتى التاريخ والجغرافيا يدخلان في هذا الإطار. ولقد اكتشفت أنه في استطاعتنا جميعا الالتقاء تحت راية الموسيقى أينما وجدنا على القارة الأرضية، وبرأيي حتى الصمت هو موسيقى بحدّ ذاته، وهي في النهاية من يستطيع أن يخبر عنّا الآخرين كالكتاب تماما».
تستعد الفنانة اللبنانية، التي سبق وأحيت مهرجانات لبنانية عدة «تنورين والأرز»، لإنزال ألبوم جديد لها في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، يتضمن 21 أغنية من ألحان مارسيل خليفة. وعن سبب اختيارها له تقول: «لم أختره، بل اخترنا بعضنا معا، وهذا اللقاء الموسيقي كان محسوما منذ اللحظة الأولى، وصار بعدها شغلنا الشاغل. فأنا معجبة بفن مارسيل خليفة وهو لمس قدراتي الغنائية مما جعلنا نؤلّف ثنائيا سيستمتع الناس بنتاجهما الفني». وتضيف «العمل بأكمله من ألحانه، أما كلمات الأغاني فهي فسيفساء من قصائد لشعراء كبار أمثال طلال حيدر وجوزف حرب وأدونيس، وآخرين من أفغانستان ومصر وغيرها. وهي أغان حالمة وجميلة بحثت عنها في داخلي، وكلّ منها يأخذنا إلى مكان أجمل من الآخر، ومع موسيقى مارسيل خليفة ذات العالم الساحر سافر معها صوتي في أداء مختلف؛ فهي تحكي قصصنا وحكاياتنا وتعبّر عن أحاسيس كل منا؛ لأنها تشبهنا».
قدمت عبير نعمة في مهرجانات بعلبك ثلاث أغان من ألبومها الجديد «غنّي قليلا» و«يا نسيم الريح» (سبق وأداهما مارسيل خليفة)، وأخرى على طريقة «أكابيلا» (غناء دون موسيقى) بعنوان «الهجرة». هذه الأغنية من كلمات وديع سعادة، وهو لبناني هاجر إلى أستراليا منذ فترة طويلة، وتحكي قصة المعاناة في المهجر، «تحمل طابعا حزينا وغنيا بأحاسيس النوستالجيا».
أكدت عبير نعمة، أنها ستتّبع في غنائها ما يشبهها، فتخاطب من خلاله جميع الشرائح الاجتماعية دون التقيّد بالنخبة منها، وتعلّق: «الأهم لدى الفنان هو أن يكون حقيقيا في أدائه وغنائه وغير مصطنع. صحيح أنني آخذ الأغنية إلى عالم أوركسترالي وموسيقى متطورة وغنية، ولكنها تبقى قريبة من الناس وتحكيهم بلسان حالهم».
أما عن مشروعاتها المستقبلية، فأشارت بأنها بصدد الغوص في اللهجة الخليجية والتعمق فيها، ولا سيما أنها معجبة بعمالقة الغناء الخليجي أمثال محمد عبده وعبد الكريم عبد القادر وطلال مداح وغيرهم.. «علاقتي وطيدة بدول الخليج؛ فلقد أحييت حفلات عدة في الإمارات بطلب من هيئة الثقافة والفنون والسياحة فيها. وفي معرض الكتاب الدولي في أبوظبي ومهرجان الموسيقى الكلاسيكية في الفجيرة، كما أنه طلب مني وضع لحن لموسيقى جائزة الشيخ زايد للكتاب».
وإلى جانب تقديمها لبرنامج «اثنوفوليا» ستحيي حفلات في بروكسل ودار الأوبرا المصرية وهنغاريا وفرنسا. وستصور في الأيام القليلة المقبلة «يا ترى» من ألحانها وتوزيع جورج قسيس، التي شاركت في كتابتها شخصيا مع لوقا صقر.
7:57 دقيقة
عبير نعمة: لدي هويتي الخاصة في الغناء
https://aawsat.com/home/article/733966/%D8%B9%D8%A8%D9%8A%D8%B1-%D9%86%D8%B9%D9%85%D8%A9-%D9%84%D8%AF%D9%8A-%D9%87%D9%88%D9%8A%D8%AA%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D8%B5%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D9%86%D8%A7%D8%A1
عبير نعمة: لدي هويتي الخاصة في الغناء
الفنانة اللبنانية وصفت مشاركتها في مهرجانات بعلبك بالمفصل التاريخي لمشوارها
عبير نعمة: لدي هويتي الخاصة في الغناء
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة