جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

كلهم صيادلة!

إذا كنت تعيش في بريطانيا أو في أي بلد أوروبي آخر، أو إذا كنت تعيش في الولايات المتحدة تعرف صعوبة الحصول على دواء يتطلب وصفة من الطبيب. وفي لندن على سبيل المثال يحسدنا الناس على النظام الصحي المجاني «إن إتش إس»، ولكن ما لا يذكره من لا يعيش هنا هو الوقت المطلوب والصعوبة في رؤية الطبيب.
وإذا زرت لبنان فسوف تتعرف على صفة إضافية للبنانيين يمكن أن نضيفها إلى إبداعاتهم التي لا يمكن لأحد أن ينكرها أو يبخل عليهم بذكرها، فاللبنانيون جميعهم ومن دون استثناء إذا خضعوا لدورة سريعة في مجال الصيدلة لنجحوا ومنحوا شهادات رسمية.. أنا لا أمزح ولا أقلل من شأن اللبنانيين المناضلين حتى في مجال المحافظة على صحتهم، لا بل أحييهم على تلك الذاكرة الطبية الصائبة، وسأشرح كيف؟
في لبنان تبعد كل صيدلية عن أخرى بنحو عشرة أمتار، وعلى الرغم من وجود كم هائل من الأطباء، لأن هذه المهنة لا تزال على أعلى سلم الوظائف التي يتمناها الأهالي لأولادهم ومن بين أهم أحلام الأمهات. فإن اللبنانيين يلجأون إلى الصيدلية ليس للحصول على استشارة الصيدلاني المتخصص، إنما لشراء دواء ارتأوا أنه جيد ويناسبهم، قد يكونون قد سمعوا عنه من خلال قريب أو صديق، لكنهم هم أصحاب القرار، فيكفي أن يتوجهوا إلى الصيدلية ويشترونه. ولا تنتهي قصة الطب غير الشرعي هنا، لأن الشخص الذي يعجب بدواء ما ينصح غيره به وهلم جرا.
الأهم في الموضوع هو إلمام اللبنانيين بأسماء الأدوية، أنا شخصيا لا أتذكر أكثر من اسم «بانادول» و«باراسيتامول» و«كالبول» للأطفال، إنما في لبنان فينطقون أسماء الأدوية بطريقة تجعلك فعلا تتعجب وتسأل نفسك كيف يمكن لمن لم تتسن له دراسة الطب بأن يتذكر ويلفظ اسم الدواء، علما بأن غالبية الأسماء «لاتينية»، وبالتالي ليس من السهل على اللسان بأن ينطقها بطلاقة.
وهذا الأمر لا يقتصر على شريحة المثقفين أو المتعلمين، مع احترامي للمهن التي لا تتطلب شهادات جامعية، فهؤلاء هم أيضا صيادلة، فيطلقون الفتاوى الطبية، وفي حال لم تنجح أول فتوى يطلقون الثانية والثالثة.
أنا لا أبالغ إذا قلت بأنني سمعت أسماء أدوية قد لا يستطيع طبيب متخصص في لندن حفظها، والدليل على ذلك هو أنه في كثير من الأحيان عندما تتوجه إلى عيادة الطبيب في لندن يلجأ هذا الأخير إلى «غوغل» لوصف دواء للمريض، وهذا ما حصل لي في إحدى المرات، كان الطبيب معذورا في إحداها، لأن الاستشارة كانت غريبة لطبيب يعمل في مناخ مثل مناخ لندن، فخلال زيارتي إلى إسبانيا لسعني قنديل بحر صغير، لكنه مفترس ومتوحش، ما أدى إلى إصابتي بحروق في عدة أماكن من جسمي، ولم يدرك الطبيب ما يجب وصفه لحالتي غير المألوفة، فحينها قلت في قرارة نفسي: «آه لو كنت في لبنان الآن لكانت جارة أمي وصفت لي أفضل دواء».
الخطورة الوحيدة هي أن اللبنانيين أرغمتهم الظروف الاقتصادية المتردية على تعدي الطبيب ليصبحوا أطباء بالفطرة، والمشكلة هي أن وصفات الأدوية لا تقتصر على دواء اللسع ودواء وجع الرأس، إنما أدوية قد تودي بحياة من يتناولها في حال لم تكن مناسبة لوضعه الصحي.
حال اللبنانيين مع الأدوية ذكرني بكلمات أغنية عازار حبيب «صيدلي يا صيدلي»، لأنها تترجم الوضع السائد الذي يحتم على اللبناني طلب «دواء له ودواء لها»، لتخطي مآسي أوضاع البلد.