عبدالله بن بجاد العتيبي
كاتب سعودي مهتم بالحركات الإسلامية والتغيرات في الدول العربية، وله عدة مؤلفات حول ذلك منها «ضد الربيع العربي» وله أبحاث منها: «القابلية للعنف والقيم البدوية»، نشر في 2006. و«السرورية» 2007. و«الولاء والبراء، آيديولوجية المعارضة السياسية في الإسلام» 2007. و«الإخوان المسلمون والسعودية الهجرة والعلاقة» 2010. قدم عدداً من الأوراق البحثية للعديد من مراكز الدراسات والصحف. شارك في العديد من المؤتمرات والندوات، وهو خريج جامعة المقاصد في بيروت في تخصص الدراسات الإسلامية.
TT

محمد بن نايف في الأمم المتحدة

على رأس وفدٍ سعودي كبير توجه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف إلى نيويورك بالولايات المتحدة لتمثيل المملكة العربية السعودية في الاجتماع الحادي والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، وتحدث قبل ذلك في قمة دعم اللاجئين، وإجمالاً كان الحضور الدبلوماسي نشطًا.
التقى ولي العهد بالعديد من رؤساء الدول، ورؤساء الوزراء، والوزراء، وقادة الوفود، وقد كانت لقاءاته ومشاوراته مؤشرًا لما يمثله كولي عهدٍ لبلاده، ونائب لرئيس الوزراء، وكرئيس لمجلس السياسة والأمن، ووزير للداخلية، فهو يمثل كل الثقل السياسي والاقتصادي والروحي والأمني الذي يحمله اسم المملكة العربية السعودية.
توقيت الزيارة كان بالغ الأهمية، فهي جاءت ولم تزل تداعيات قانون «جاستا» الأميركي تعتمل في الساحة السياسية الأميركية، وتهتم به كل الدول الحليفة لأميركا في أوروبا، وفي المنطقة، وحول العالم، وخير من يخاطب المسؤولين الأميركيين حوله وحول المواقف السياسية في المنطقة والعالم التي تعبر عن التحالف الطويل بين السعودية وأميركا، هو الأمير محمد بن نايف.
لقد كانت السعودية سباقةً في محاربة الإرهاب قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر وبعدها، ولم تزل قائدة ورائدةً في مواجهته وإجهاضه، وكان ولي العهد السعودي بنفسه هو باني ذلك النموذج المتفرد والمتميز على المستوى الدولي في محاربة الإرهاب ومحاصرته وتقليصه وتحجيمه، وقد كان من أهم عوامل النجاح الدولي في مواجهة الإرهاب التعاون السعودي المثمر والمفيد في إيقاف وإفشال العديد من الهجمات الإرهابية حول العالم.
حين تنقلب الموازين وتختل الموازنات الدولية وتقوم دولة كبرى، كالولايات المتحدة، بتقريب الأعداء، والتغاضي عنهم، وتدعمهم، كما صنعت مع إيران الدولة الراعية الرسمية الأكبر للإرهاب حول العالم، وبالابتعاد عن حلفائها التقليديين، لا بل واتهامهم بما يعلم الجميع براءتهم منه، فنحن أمام اختلالٍ كبيرٍ في المبادئ الكبرى التي حكمت العالم منذ إنشاء الأمم المتحدة ومجلس الأمن وجميع المؤسسات الدولية المتفرعة عنهما.
لا يمكن لأحدٍ أن ينكر الدور السعودي في محاربة الإرهاب، فالشمس لا تُغطى بغربالٍ، وخير من يوضح الدور الرائد للسعودية في هذا المجال هو ولي العهد السعودي، يعرف المسؤولون السياسيون الأميركيون من هو هذا الرجل، وما هو تاريخه، وما هي الأدوار الجلّى التي قام بها، ويعرف المسؤولون الأمنيون الأميركيون ونظراؤهم حول العالم أكثر دوره المباشر في محاربة الإرهاب المعولم.
من هنا، جاءت كلمة الأمير محمد في قمة دعم اللاجئين مختصرةً ومعززةً بالأرقام التي توضح بجلاءٍ الأدوار التاريخية المتواصلة على مدى عقودٍ في تقديم المساعدات الإنسانية ودعم اللاجئين الذي قامت به السعودية، مما جعلها، كما جاء في كلمة الأمير الثالثة بين دول العالم أجمع في هذا المجال، وتطرقت للمساعدات الحالية وبالأرقام في داخل السعودية من الإخوة السوريين واليمنيين وغيرهم، وأكدت على التزاماتٍ مستقبليةٍ في التوجه نفسه، مما يعني استمرارية الدور الإنساني للدولة السعودية.
وقد أكدت الكلمة وبالتفصيل على دور السعودية المباشر في دحر الإرهاب، وعندما يخاطب الأمير محمد الأمم المتحدة عن الإرهاب فلا ينبِّئك مثل خبير.
تحدث ولي العهد في قمة دعم اللاجئين عن الدبلوماسية الاستباقية، وهي فكرة بالغة الأهمية، حيث تسعى للقضاء على النزاعات والصراعات دبلوماسيًا وسياسيًا، قبل أن تتحول لصراعات ساخنةٍ وحروبٍ أهليةٍ، وهي فكرةٌ شديدة الارتباط بإحدى أهم نتائج النموذج الذي بناه لمحاربة الإرهاب، وهي ما يعرف بـ«الضربات الاستباقية»، التي نجحت فيها السعودية أمنيًا في مواجهة الإرهاب.
الكلمة الأهم كانت الكلمة التي ألقاها في الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي كانت شاملةً ضافيةً في قراءة المشهد الدولي والإقليمي، وقدمت مواقف السعودية الناصعة في جميع الملفات، التي أرسلت رسالة واضحةً للعالم عما تمثله المملكة العربية السعودية من ثقلٍ سياسي واقتصادي وروحي في المنطقة والعالم، وأنها تمثل أكثر من مليار ونصف مليار مسلمٍ يتوجهون لها خمس مراتٍ في اليوم والليلة، وهي مهبط الوحي ومنبع رسالة الإسلام.
كان حديثًا صريحًا لكل العالم حول مواقف وسياسات السعودية في الملفات كافة: في المأساة السورية، وحقوق الشعب السوري، وفي الملف اليمني والحرب العادلة التي تخوضها الشرعية اليمنية، بدعم من التحالف العربي الذي تقوده السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وحديث مهم عن الدولة الراعية للإرهاب في المنطقة، وهي إيران، وشرح لكل سياساتها العدائية ضد السعودية ودول الخليج العربي والدول العربية في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
إن الحديث المفصل عن أدوار إيران يحرج كل المتحالفين معها، أو المنحرفين إليها أخيرًا، فالعلاقة بدولةٍ ترعى وتصدر الإرهاب وتتهجم على البعثات الدبلوماسية في أعمال ممنهجةٍ هي إشارة للعديد من التناقضات التي تشهدها الساحة الإقليمية والمواقف الدولية في السنوات الأخيرة.
وفيما يتعلق بقانون «جاستا»، تطرقت الكلمة بالنص إلى أنه قد «أثار استغراب المملكة والمجتمع الدولي إصدار قانون في الولايات المتحدة الأميركية يلغي أهم المبادئ التي قام عليها النظام الدولي، وهو مبدأ الحصانة السيادية، مما سيترتب عليه تبعاتٍ سلبيةٍ بالغة لن يقبل بها المجتمع الدولي».
وبحسب هذه الصحيفة، عدد أمس (السبت)، فقد أرسل الرئيس باراك أوباما رسالة إلى الكونغرس الأميركي «يؤكد فيها معارضته لمشروع قانون (جاستا)»، مشيرًا إلى أن تصويته بـ«الفيتو» ضده يرجع إلى مخاوفه من رفع الحصانة السياسية عن الحكومات الأجنبية (التي لا تصنف دولاً راعيةً للإرهاب في محاكم الولايات المتحدة، وزعزعة المبادئ الدولية بشأن الحصانة السيادية للدول).
نبهت كلمة الأمير محمد بصراحةٍ إلى الأطماع الإيرانية في مملكة البحرين، وهي دولةٌ خليجية عربية، كما أكد على حق دولة الإمارات العربية المتحدة في استعادة جزرها المحتلة الثلاث، وكالعادة لم تتأخر التأكيدات من الحرس الثوري الإيراني على مثل هذه الأطماع التوسعية، فقد صرح قائد الحرس الثوري الإيراني السابق محسن رضائي، في حوار صحافي مع صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» الأميركية بأن إيران «لن تتخلى عن سوريا والبحرين واليمن».
أخيرًا، لقد أثبتت السعودية أنها دولة عظمى في المنطقة وقوية التأثير على المستوى الدولي، وهي حين اضطرت للدفاع عن مصالحها وشعبها ومصالح الدول العربية وشعوبها لم تتوان لحظةً في ذلك، ورب ضارةٍ نافعةٍ. وكل عامٍ والسعودية بخير وعزٍ ورفعةٍ في عيدها الوطني السادس والثمانين.