جيم هوغلاند
TT

هدف أميركا العالمي يحتضر في أوروبا

تسبب الظهور المفاجئ لأحزاب اليمين في أوروبا في إلحاق الضرر بأكبر زعماء القارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. والأسوأ من هذا أن ظهور الحركات التي تحركها أجندات قومية وعنصرية أشار إلى أن روح التحالف الأوروبي الأميركي التي شكلت أساسا لاستقرار العالم على مدة العقود السبعة الماضية باتت الآن مهددة من قبل السياسات المتطرفة عي شاطئي الأطلسي.
ثمة دلائل محسوسة تشير إلى التوجه إلى الولاءات القومية الضيقة كما شاهدنا في تصويت البريطانيين للخروج من الاتحاد الأوروبي، وهزيمة قوى ميركل المحافظة أمام حزب «البديل من أجل ألمانيا» الذي لم يتعد عمره ثلاثة أعوام في الانتخابات المهمة التي جرت مؤخرا، وقبل ذلك ظهور حركات شبيهة في بولندا والمجر وفرنسا وغيرها.
من سمات تلك الدلائل، أو العناصر، الارتداد إلى حالة التشوش الاقتصادي التي سببتها العولمة وطوفان هجرة اللاجئين من سوريا ومن غيرها من دول أوروبا التي تعاني الفشل، وكذلك الجرائم الإرهابية التي يرتكبها تنظيم داعش وغيره من الجماعات الجهادية.
بيد أن هناك أيضا عاملا غير ملموس يستحق الانتباه في ظل موسم الاضطرابات السياسية الأميركية يتمثل في ضعف التماسك وتراجع النفوذ الأميركي العسكري والتجاري والثقافي الكبير الذي استمر يدعم أوروبا منذ عام 1945، وتجلى ذلك في تراجع قدرة الولايات المتحدة على تحقيق هدفها في تفعيل التعاون بين الدول، وهو الاتجاه الذي تحمست له أوروبا في مرحلة ما بعد الحرب عندما اتحد العالم القديم والجديد لإعادة بناء القارة المنهكة، وأيضا لمواجهة التهديد السوفياتي.
كان ذلك الهدف العالمي لا يزال محفورا بوضوح في أوروبا المدمرة والتي رأيتها لأول مرة عام 1961. والتي كنت أدرس أوضاعها وأعمل فيها وأزورها باستمرار منذ ذلك الحين. فقد كانت الولايات المتحدة تعلن بفخر أن هدفها استقبال «هؤلاء الذين يتوقون لاستنشاق عبير الحرية». فقد أرسلت الولايات المتحدة قواتها لمساندة الشعوب، وخصصت موازنات الدفاع وكرست جهودها الدبلوماسية في سبيل تفعيل التعاون بين الدول، وهو الفكر المعاكس للشوفينية والكراهية في أوروبا والذي كان سببا في قيام الحربين العالميتين الأولى والثانية. يرى ما يعرف بالاتحاد الأوروبي اليوم الولايات المتحدة كنموذج للشعب الذي يتطلع إلى بنائه. ففكرة الأوروبيين عن أميركا ساعدت في منع سن سياسات قومية مقيتة، وتبني مواقف معارضة للهجرة كان يمكن أن نراها في ظل الأحداث الأخيرة.
لكن هذا لن يجعلنا نزعم أن الولايات المتحدة نفسها ارتقت بهذا المفهوم بالشكل الذي يشجع أوروبا على أن تستلهم منه لتسير في طريقها الصحيح. فكوارث الولايات المتحدة في الخارج، بدءا من فيتنام وانتهاء بالعراق، ناهيك عن الصراعات العرقية والاجتماعية بالداخل، لن تهيئ المجال أمامها لتقف موقف المحاضر لتعلم غيرها من الشعوب مبادئ الأخلاق.
فمن وجهة نظري، فإن هذا من سوء حظ أوروبا مثلما أنه من سوء حظ الولايات المتحدة. فحملة الانتخابات الرئاسية الأميركية الجارية المقززة تهدد بوضع نهاية لنموذجنا الأميركي كملهم لسياسات باقي الشعوب. فبحسب مقاييس دونالد ترامب، فإن الدعوة إلى النزعة القومية التي تمثل دعوة للمتاجرة بالخوف والتي يتبناها حزب «البديل من أجل ألمانيا» ما هي إلا سياسة كباقي السياسات، وليست شرا يجب اجتثاثه.
فقد أنهى الحزب اليميني الانتخابات متقدما على الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي تتزعمه ميركل في الانتخابات التشريعية لولاية غرب ماكلنبورغ، وهي ولاية ساحلية معروفة بمراسي السفن والشواطئ الهادئة وبكونها المقر السياسي للمستشارة ميركل.
علينا أن نتوقع فرارا جماعيا تجاه موسكو، وتأرجحا تجاه اليمين القومي في السياسة الأوروبية حال جرى الإعلان عن فوز ترامب هنا في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. سوف تمثل تلك اللحظة أيضا نهاية للهدف الأميركي التواق للتعاون بين الدول بعد أن ساعد على رخاء وأمن أوروبا طوال النصف الثاني من القرن العشرين.
*خدمة «واشنطن بوست»