إنعام كجه جي
صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس.
TT

من يموت اليوم من الحب؟

في 1971، ظهر على الشاشات فيلم نال شهرة واسعة وشاهده 5 ملايين متفرج داخل فرنسا وملايين أخرى خارجها. وهو الفيلم الذي قدّم الممثلة الفرنسية ضئيلة الحجم، آني جيراردو، في دور مختلف نال تعاطف فئة من الجمهور ولعنات الفئة الأخرى. عنوان الفيلم «الموت حبًا». واستند مخرجه أندريه كايات إلى واقعة حقيقية شغلت الرأي العام في حينها: حكاية حب بين امرأة تدعى غابرييل روسييه وشاب يدعى جيرار. ما الغريب الذي أثار الاستهجان من بين أكوام قصص الغرام التي يحمل الفرنسيون فيها قصب السبق؟ الجواب هو أن العاشقة كانت مُدرّسة في الثانوية، تجاوزت الثلاثين من العمر، وكان حبيبها مراهقًا من تلاميذها. وعندما فشل والدا التلميذ في صدّ ابنهما عن حب معلمته، تقدما بشكوى قضائية ضدها بتهمة العلاقة مع قاصر.
دخلت المعلمة السجن وتعرضت لكل أشكال الإهانة. وقبل صدور الحكم في قضيتها، انهارت ووضعت حدًا لحياتها. ماتت حبًا، انسجامًا مع أغنية شارل أزنافور التي تحمل العنوان ذاته. هل تستحق حكاية مماثلة أن تلفت نظر الفرنسيين، اليوم، بعد 45 عامًا من ذلك الفيلم؟
استقال وزير الاقتصاد إيمانويل مكرون، الشهر الماضي، وأسس حركة سياسية جديدة. إنه ينوي خوض الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقررة في الربيع المقبل. وإذا كان المعلقون المحترفون يتوقفون عند مزايا الوزير الشاب الذي يطبخ طبقًا يخلط فيه لحمة اليمين بتوابل اليسار، فإن المجلات الأسبوعية والصحف الشعبية توقفت مطولاً عند فارق السن بينه وبين زوجته. إن السياسي الطموح لم يبلغ الأربعين من العمر بعد، وسن زوجته بريجيت يقترب من الستين. وهي من أولئك الفرنسيات المعتدات بأنفسهن إلى حدّ رفض الاستكانة للتقليد الذي يقضي بأن تتخلى المرأة المتزوجة عن اسم عائلتها وتحمل اسم عائلة زوجها. ستبقى بريجيت ترونيو حتى لو صارت زوجة الرئيس المفترض إيمانويل مكرون.
العقدة ليست في الأكمة، أي فارق السن، بل في ما وراءها. ذلك أن زوجة مكرون كانت مُدرّسته عندما كان طالبًا في ثانوية كاثوليكية خاصة في مدينة أميين، شمال البلاد. وهي أم لثلاثة أبناء من زواج سابق وجدة لسبعة أحفاد. ومن يتطلع وراء الأكمة يرى فتى دون سن الرشد، يقصد معلمة اللغة الفرنسية لكي تساعده في كتابة نص مسرحي. ويكتبان النص ويسجلان على هامشه، بالحبر السريّ، حكايتهما الخاصة. لقد وقع تحت سطوة جمالها وثقافتها. وكما حدث في فيلم «الموت حبًا»، حاول والدا التلميذ العاشق، وهما طبيبان معروفان في محيطهما، انتشال الابن المتفوق من ورطته وأرسلاه لمواصلة الدراسة في باريس. لكنه لم يرعوِ. أما الحبيبة فلها روايتها المختلفة. وقالت في مقابلة مع مجلة باريسية إنها توسمت في تلميذها مكرون خامة أديب كبير، ونصحته بالانتقال إلى العاصمة لكي يلتحق بصف البكالوريا في ثانوية «هنري الرابع» العريقة، رغم عذاب الفراق.
ما زالت، إلى اليوم، تحتفظ بمحاولاته الأولى في الكتابة. تتحدث عنه وكأنه ما زال ذلك الفتى النابه. كأنه لم يكبر ويصبح وزيرًا. كأنها والدة تتباهى بتفوق ولدها. وتؤكد أنه، قبل السفر، أخبرها بأن لا مفرّ لها منه. مهما حصل فإنه سيتزوجها. وخضع أهل الطرفين للعاصفة. ولم يصل الأمر حدّ الاحتكام للقضاء. فقد كبر التلميذ العاشق وبلغ سن الثامنة عشرة، سن الرشد وامتلك زمام حياته. وظل وفيًا لوعده ولم تُدِر بنات باريس رأسه. ومن أجله تخلت المعلمة العاشقة عن كل شيء. حصلت على الطلاق وتفاهمت مع أبنائها وتبعت قلبها وتزوجت من تحب. رومانسية هندية تصلح لإلهام مخرج أميركي من خارج موجة الواقعية الفرنسية الجديدة. أقصد التي كانت جديدة.
السباق الرئاسي ما زال قيد التجاذبات. وقد لا يفلح مكرون في تحقيق أي هدف. لكن من يدري كيف تتغيّر الموازين من هنا حتى العام المقبل؟ وفي حال تمكن السياسي الاشتراكي المؤمن بالليبرالية من دخول «الإليزيه» فإن الفرنسيين سيجدون أمامهم سيدة أولى تكبر زوجها بعشرين عامًا، معروف عنها أنها المستشارة الأولى لزوجها وصاحبة خبرة في التعامل مع الأزمات ومع البشر. إن مكرون سياسي يلفت النظر. وقد يكون المؤهل لوقف الانحدار الاقتصادي الذي تمرّ به البلاد. لكن هل يمنح الفرنسيون أصواتهم لرئيس يتحرك بالريموت كنترول؟