«احذروا! الألتراس قادمون» - حسنًا، ليس تمامًا. وبالتأكيد ليس على ذات النحو القائم في دول أوروبية أخرى - وإن كان الأمر يعتمد على التعريف الذي تقره لمصطلح «ألتراس» - ومع ذلك، تظل الحقيقة أن ثمة تحركات جارية داخل بريطانيا لمحاولة إقرار ثقافة تشجيع غالبًا ما يسيء فهمها الكثيرون. وفي أي وقت تورد وسائل الإعلام البريطانية قصة صحافية عن جماعات «الألتراس» الأوروبية، نجد أنها مفعمة بإسقاطات سلبية بالنسبة للجماهير: أعمال عنف وهتافات عنصرية وإطلاق تهديدات ضد اللاعبين، بجانب موضوعات أخرى مثيرة للإحباط تساعد في رسم صورة لهذه المجموعات باعتبارها كريهة ومقيتة.
في الواقع، تعاني جماعات «الألتراس» بالفعل من مشكلة في صورتها العامة. ويتضح ذلك في حقيقة أننا نادرًا للغاية ما نسمع قصصًا إيجابية عن أنماط محبوبة من أعضاء «الألتراس»، مثل أولئك الذين بنوا جسور تواصل مع جماعات عرقية مختلفة داخل المجتمع المحلي المحيط بناديهم أو قاموا بأعمال إيجابية، مثل تلك التي أنجزها مشجعو بايرن ميونيخ، ومن بينها تنظيمهم رحلات إلى لتسليط الضوء على تاريخ النادي. ومع هذا، تبقى القصص الصحافية التي تتناول الأعمال الإيجابية غير متوائمة مع الخطاب النمطي المألوف عن جماعات «الألتراس» باعتبارها آلات تحطيم وخراب.
ومع هذا، فإن هناك جماعات «ألتراس» بالفعل تسير فيما بيننا بالفعل، مثل «هولمسديل فاناتيكس»، وهي جماعة «ألتراس» من مشجعي كريستال بالاس، التي رغم أنها لا تضع في اسمها كلمة «ألتراس»، فإنها تتلقى ثناءً وإشادة واسعة ومستحقة لما تضفيه على الملاعب من جلبة وألوان زاهية لمؤازرة فريقها. واللافت أن الزاوية التي تشغلها «هولمسديل فاناتيكس» داخل ملعب كريستال بالاس سلهيرست بارك تتميز على نحو متزايد بالحركة والنشاط، على نحو يتناقض مع الجو العام المعتاد على مدار فترات طويلة من المباريات داخل كثير من الملاعب البريطانية، خصوصًا في إطار بطولة الدوري الممتاز. كما تحشد هذه المجموعة جهودها خلف القضايا التي تهم المشجعين، والتي أثارتها مسألة تحول كرة القدم إلى طابع تجاري.
والملاحظ أن ثمة محاولات أخرى بين مشجعي أندية بريطانية أخرى جرت لاستيراد ثقافة تدور في جوهرها حول الدعم المنظم والمكثف لناديك من خلال اللافتات الملونة الزاهية والهتافات الصاخبة المجلجلة في المدرجات. ومن بين هذه المحاولات مجموعات «بريغادا 1874» المشجعة لنادي أستون فيلا، و«فوسي بويز» من مشجعي ليستر سيتي، و«ريد فاكشن» من جماهير ميدلزبره و«غرين بريغايد» من مشجعي سيلتك. علاوة على ذلك، جرت محاولات مشابهة من جانب مشجعي أندية مثل إبسويتش تاون وأندية أخرى خارج مظلة الدوري الممتاز، مثل كلابتون إف سي ودلويتش هاملت الذي عادة ما ينتمي مشجعوه إلى تيار ليبرالي يساري يمثل آراءً مناقضة لما ساد في أغلب الأوقات داخل مدرجات كرة القدم البريطانية فيما مضى.
من جانبه، أعرب كيني ليغ، كاتب معني بكرة القدم مقيم في برلين ويبدي انبهارًا شديدًا بجماعات «الألتراس» الألمانية، عن اعتقاده بأنه كي تتمكن المملكة المتحدة من بناء مشهد مشابه، فإن مشجعي كرة القدم بها بحاجة إلى قضية ما للوقوف في وجهها، قد تكون قضية سياسية أو أسعار التذاكر الباهظة أو حتى مجرد الملل المحيط بكرة القدم في ثوبها المعاصر. وقال عن جماعات «الألتراس» إنها «تضرب بجذورها في التيارات السياسية اليسارية في إيطاليا، في الوقت الذي يتسم المشهد العام لهذه المجموعات داخل ألمانيا بصبغة سياسية شديدة، مع اتخاذ مجموعات (الألتراس) في أغلب الأوقات مواقف معلنة حيال قضايا خارج مجال كرة القدم، مثل اللاجئين والعنصرية والمثلية الجنسية».
وأردف موضحًا أنه «داخل ألمانيا، غالبًا ما تمثل حركة (الألتراس) رد فعل تجاه أعمال الشغب التي كانت لا تزال سائدة في الملاعب في منتصف تسعينات القرن الماضي. وفي بعض الحالات، نجحت مجموعات (الألتراس) في الهيمنة على المدرجات وإضفاء لمسة لطيفة ومبهجة عليها جعلتها جذابة أمام قطاعات واسعة من المجتمع، بعد أن كانت من الأماكن التي يتجنبها كثيرون».
وأشار ليغ إلى أنه في الوقت الذي تستعد بريطانيا للانكماش والانغلاق على نفسها ثقافيًا مع انسحابها من الاتحاد الأوروبي، فإن الشباب هناك لا يمكن قط أن يكونوا بالحماس السياسي الذي كان عليه الألمان بمنتصف التسعينات في أعقاب توحيد شطري ألمانيا. وعليه، فإن أي حافز لدفعهم نحو بناء مجموعات «ألتراس» يجب أن يأتي من الخارج. ومن يدري، ربما كانت كرة القدم الإنجليزية بطبيعتها، خصوصا القوى التجارية الضخمة المهيمنة على الدوري الممتاز، محصنة ضد حركة «الألتراس» بسبب سياسات ضرورة جلوس جميع أفراد المشجعين على مقاعد، والخوف من الشغب ونظام إصدار التذاكر وبيعها وتقدم قاعدة جماهير كرة القدم في العمر وسنوات من جهود التطوير.
من جانبه، أعرب ديفيد مايور، مشجع مانشستر سيتي الذي يحرص على شراء تذاكر مباريات النادي منذ 30 عامًا والذي كان يشارك بالكتابة في موقع «يوروبيان فوتبول ويك إندز» الذي توقف الآن، عن خوفه من أن تكون جهود تطهير كرة القدم في بريطانيا - خصوصًا الدوري الممتاز - قد بلغت حدًا جعل من المستحيل تقريبًا ظهور مجموعات «ألتراس»، وأضاف: «هناك ميل أكبر باتجاه حركة (الألتراس) داخل بريطانيا الآن نظرًا لانتشار الإنترنت ومقاطع (يوتيوب)، وكذلك سفر الأفراد إلى الخارج ومشاهدتهم مزيد من المباريات. ومع هذا، ربما لا يزال المشجعون يشعرون بالخوف من تداعيات التحمس الشديد في التشجيع أو الإعلان بقوة عن انتقادات لناديهم. قد يخافون من التعرض للإقصاء من قبل أنديتهم».
الملاحظ أن الجماهير في بريطانيا لا تستمتع كثيرًا بالغناء الجمعي المنظم أو التكرار، ولا يتقبلون بسهولة توجيه تعليمات إليهم حول كيف ينبغي أن يشجعوا أنديتهم. وتكشف المشاحنات التي اندلعت داخل وستهام خلال الشهور الأخيرة أن ثمة انقسامًا قائمًا بين من يعتبرون أنفسهم ممثلين للمدرسة القديمة للتشجيع والآخرين المستجدين، الذين قد يتسمون بمستوى أكبر من الثراء والسلبية. والواضح أن هذه المشكلة لا تقتصر على وستهام، ذلك أن بعض المشجعين يقتصر اهتمامهم على متابعة المباريات ولا يبدون اهتمامًا يُذكر بالمناخ العام السائد داخل الملعب.
من جانبه، قال ليغ إن كثيرًا من المشجعين العاديين عارضوا في البداية حركة «الألتراس» داخل ألمانيا، لكن بمرور الوقت بدأوا يتقبلونها باعتبارها محاولة إيجابية للتأثير على الأرض دون إلحاق أضرار. المؤكد أن الفترة المقبلة ستشهد مناقشات عديدة في أوساط اتحادات المشجعين حول كيفية بث روح في الملاعب. ورغم أن مجموعات «الألتراس» ربما لا تكون متوافقة تمامًا بعد مع الثقافة السائدة على صعيد كرة القدم الإنجليزية، فإنها قد تلعب دورًا مفيدًا في تحسين المناخ العام السائد داخل الملاعب.
8:17 دقيقة
ثقافة «الألتراس» المفترى عليها في إنجلترا
https://aawsat.com/home/article/770796/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%C2%AB%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%84%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%B3%C2%BB-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%81%D8%AA%D8%B1%D9%89-%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87%D8%A7-%D9%81%D9%8A-%D8%A5%D9%86%D8%AC%D9%84%D8%AA%D8%B1%D8%A7
ثقافة «الألتراس» المفترى عليها في إنجلترا
الإعلام البريطاني تغاضى عن إيجابياتهم وركز على سلبياتهم
ثقافة «الألتراس» المفترى عليها في إنجلترا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة