د. شملان يوسف العيسى
كاتب كويتي
TT

لماذا تتعثر الديمقراطية في الكويت؟

ما إن أعلن أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر عن حل مجلس الأمة والدعوة لانتخابات جديدة سوف تجري في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، حتى انهال المرشحون الجدد لتسجيل أسمائهم لدخول الانتخابات الجديدة، وعلى رأس من سجلوا لدخول الانتخابات أقطاب المعارضة أو من يطلقون على أنفسهم الغالبية البرلمانية السابقة التي تشمل التيارات الشعبية والدينية بمن فيهم الإخوان المسلمون والحركة السلفية وغيرهم من المعارضين لمفهوم الصوت الواحد..
السؤال هل دخول المعارضة الكويتية السابقة والتيارات السياسية الشبابية الجديدة سيعزز الديمقراطية الكويتية أم يجهضها؟ التسجيل للانتخابات الجديدة فاق الـ320 مرشحًا بينهم 11 امرأة، ولا يزال التسجيل مستمرًا حتى نهاية الأسبوع.
رغم حداثة التجربة الديمقراطية في الكويت التي مضى عليها نصف قرن فإنها تواجه اليوم إشكالية جديدة لم تتوقعها في السابق، وهي كيفية التعامل مع الديمقراطية والقوى السياسية الجديدة التي تقودها.
هل يمكن نجاح الديمقراطية في مجتمع غير ديمقراطي لا يزال يعيش في مرحلة ما قبل الحداثة؟ الديمقراطية برزت وترسخت في الغرب بعد الثورة الصناعية وحركة التنوير وتبني القيم الجديدة، وهي قيم الحرية والعقلانية وفصل الدين عن السياسة وتبني أفكار التنوير والحداثة.
هل يمكن لحكومتنا ومجتمعنا تقبل الأرضية الخصبة لديمقراطية بلداننا؟ مثل الحرية واحترام الآخر ودولة القانون والمساواة وتكافؤ الفرص للجميع واحترام حقوق الإنسان وفصل الدين عن السياسة، من الصعب أو من المستحيل انتشار هذه الأفكار في مجتمعاتنا المحافظة.
إننا لا نبالغ إن قلنا إن المرشحين الجدد لمجلس الأمة يركزون في حملاتهم الانتخابية التي بدأت في الأسبوع الماضي على الفزعة القبلية وضرورة وصول أحد أبناء القبيلة لمجلس الأمة لتحقيق مطالب أبنائها، ويثير مرشحو الطائفية من سنة وشيعة النعرة الطائفية على أمل الحصول على أصوات ناخبيهم، وتناسى جميع المرشحين سواء أكانوا من أبناء القبائل أو الطوائف أو العائلات أن هذه الطروحات التي تعزز الولاءات الجانبية سواء أكانت قبلية أو طائفية أو عائلية ستكون عقبة كبيرة في طريق ترسيخ مفهوم الدولة الحديثة أو المجتمع المدني ودولة العدالة والقانون.. علينا كشعب في الكويت أن نتعلم من تجارب الأمم والدول الأخرى المجاورة لبلدنا، حيث مزقت الولاءات الطائفية والقبلية دولاً مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا وفلسطين المحتلة.
لقد تمزقت هذه الدول لأن حكامها وشعوبها لم يعوا أهمية الوحدة الوطنية والولاء المطلق للدولة، ولكي يكون الإنسان محايدًا وموضوعيًا عليه أن يحدد من هو المسؤول عن تعثر الديمقراطية الوليدة وتراجعها في الكويت عمليًا وفعليًا. المسؤول الأول هو الحكومة، لأن النظام السياسي أعطى أهمية كبيرة للهوية الجماعية على حساب الهوية الوطنية، لأن ديمقراطيتنا المشوهة تقوم على سياسة التوازنات والترضيات وإرضاء الجميع على حساب المصلحة، والدليل على ذلك هو توزيع المناصب الوزارية في الدولة حسب نظام المحاصصة القبلية والطائفية والعائلية، ولا أحد يعطي أهمية للانتماء الوطني أو الكفاءة العلمية أو الإدارية.
النخبة السياسية سواء في الحكومة أو مجلس الأمة لم تؤكد للشعب أهمية الانتماء الوطني والتركيز على الثقافة المشتركة للشعب الواحد، فليس سرًا أن أعضاء الحكومة والنواب يتفاخرون بأصواتهم القبلية ويؤكدون أن القبائل هي أصل الكويت، مع إهمال تام لشرائح المجتمع المدني المتعدد الهويات.
إن سياسة الكويت الرسمية بالابتعاد عن الفكر القومي بعد الاحتلال العراقي للكويت خلقت أزمة هوية لدى غالبية الشعب، فالجيل القديم من الشعب قد تربى على مفاهيم عربية قومية انصهرت فيها كل الولاءات الجانبية، لكن هزيمة 1967 وغزو صدام للكويت خلقا حالة من الانكفاء على الذات وبرزت تيارات إسلامية متعصبة تركز على إقصاء الآخر. التيارات السنية الدينية خلقت الفزعة السنية لكي تفوز في الانتخابات البرلمانية، والعكس صحيح؛ مرشحو الشيعة يحاولون تخويف الشيعة من التطرف السني للفوز في الانتخابات، وهذه بداية الطائفية في الكويت.. الانتخابات التي من المفترض أن توحد الشعب في مجتمع ديمقراطي تعددي بدأت تمزقه، لأنه لا يوجد فهم حقيقي لمعنى الديمقراطية التعددية.
ماذا عن نتائج الانتخابات القادمة في الكويت؟ نحن لسنا متفائلين من تغيير تركيبة المجلس القادم.. فمن متابعة الحملة الانتخابية نجد أن معظم المرشحين ومنهم أقطاب المعارضة لا يملكون برنامجًا سياسيًا أو اقتصاديًا أو اجتماعيًا واضحًا.. الكل يهاجم الحكومة وينتقدها، وهذا أمر طبيعي في الحياة البرلمانية، لكن لا أحد من المرشحين لديه فكرة واضحة كيف يمكن إنقاذ البلد بعد انخفاض أسعار النفط ولا أحد من المرشحين قدم برنامجًا لكيفية تحديث وتطوير الخدمات التعليمية أو الصحية أو الخدمات العامة بشكل عام.. الجميع يطالب بعودة الدولة الريعية النفطية حتى بعد انخفاض أسعار النفط من 110 دولارات للبرميل إلى 46 دولارًا.. الجميع يحلم بتحقيق دولة الرفاه من دون بذل الجهد والعمل والعطاء والتضحية بالمال لإنقاذ البلد..