راجح الخوري
كاتب لبناني
TT

المأساة: أحدهما سيكون الرئيس!

السبت الماضي قبل يومين من موعد الانتخابات الأميركية، صدرت مجلة «دير شبيغل» بغلاف بارع يختصر الإحساس العام الذي تركته الحملة الانتخابية الأكثر غثاثة في التاريخ الأميركي، عندما نشرت تحت عنوان «الرئيس المقبل»، صورة وجهي هيلاري كلينتون ودونالد ترامب يغطيهما الوحل.
ليس في هذا التصوير أي مبالغة. إن أفضل ما قرأته في خلال الأشهر الثلاثة الماضية، عن الحملة الانتخابية التي تحولت مسلسلاً من الفضائح ونشر الغسيل الوسخ، هو قول المؤرخ آلان ليتشمان، الأستاذ في الجامعة الأميركية، لصحيفة «واشنطن بوست»: المأساة الحقيقية أن واحدًا منهما سيكون رئيسًا للولايات المتحدة!
يأتي غلاف المجلة الألمانية الرصينة بمثابة تعليق على المنافسة القذرة والتراشق بالفضائح بين ترامب وكلينتون، وفي سياق حملة انتخابية هابطة لا تتناسب مع حقيقة أن هذه العملية الانتخابية تجري في بلد يرفع لواء الديمقراطية واحترام الرأي، ويلعب دورًا محوريًا عميقًا في التطورات على المسرح الدولي؛ لهذا هناك إجماع داخل المستويات الفكرية والبحثية في أميركا وخارجها، على أن الحملات الانتخابية سلكت مسارًا دونيًا، عندما همّشت إلى حد بعيد النقاش حول قضايا السياسة والاقتصاد والملفات الدولية الساخنة التي تلعب أميركا دورًا محوريًا فيها.
بعد ثمانية أعوام من إدارة باراك أوباما، الذي وضع أميركا نسبيًا على مداخل «مبدأ مونرو»، وبعد الجدال العميق الذي نجم عن ذلك في الوسط الدولي بسبب الانكفاء المُحبط أمام اندفاعات فلاديمير بوتين في أوكرانيا، ثم في سوريا، وبعد «استبدال الحلفاء التاريخيين المؤتمنين بالخصوم الإيرانيين العدائيين» كما كتبت «الفورين بوليسي» في العام الماضي، توقع الكثيرون أن تشكّل الانتخابات الرئاسية فرصة تاريخية لإعادة تقويم المواقف والسياسات الأميركية، ولطرح رؤى تستشف المستقبل من خلال محصّلة فترة أوباما التي انتهت، لكنها كانت مبارزة مفتوحة للتراشق بالفضائح الشخصية ولم تتعمق حتى في مسائل الاقتصاد وعلاقات أميركا ودورها في العالم.
للجاليات العربية وزنها الاقتراعي في أميركا، لكن الحرص لدى كلينتون وترامب، الذي يعادي العرب والمسلمين على خلفية عشوائية تتصل بانفجار الإرهاب الذي يستهدف العرب والمسلمين قبل غيرهم، هذا الحرص تركز على إسرائيل، عندما تسابق المرشحان على تطمين نتنياهو في سبتمبر (أيلول) الماضي؛ كلينتون قالت له إنها ستحرص على أن يكون أول زعيم يزورها في البيت الأبيض، وإنها ستعارض فرض أي حل مع الفلسطينيين عبر مجلس الأمن، وترامب تعهد دعم إسرائيل ونقل السفارة الأميركية إلى القدس!
اليوم الثلاثاء تجري الانتخابات وسط جو من عدم اليقين عند كلينتون والحزب الديمقراطي، يقابله جو من استعادة الثقة وارتفاع المعنويات عند ترامب والحزب الجمهوري، وخصوصًا أن استطلاعات الرأي العام الأخيرة، بيّنت تقاربًا بينهما لا يتعدى نقطتين أو ثلاثًا لمصلحة كلينتون، بما يعني أن احتمالات الفوز تبقى غارقة في الضبابية، والدليل أنه بعد التصويت المبكر الذي زاد على 22 مليون ناخب، جاء استطلاع «نيويورك تايمز» وشبكة «سي بي إس» لمصلحة كلينتون بفارق أربع نقاط، بينما جاء استطلاع «واشنطن بوست» وشبكة «ايه بي سي» لصالح ترامب بنقطة واحدة.
منذ خروجها متهالكة من الاحتفال بذكرى 11 سبتمبر، بدأت حملة كلينتون تتداعى بعدما كانت كل المؤشرات توحي بأن ترامب، الذي يطرح شعارات تفيض بالتعصّب والتمييز ضد النساء ومعارضة الملونين والمسلمين، يتجه إلى خسارة مدوية أمام منافسته التي كانت قد تقدمت عليه بما يزيد على 12 نقطة قبل أسبوعين.
مع بداية هذا الشهر انهالت المشكلات على كلينتون؛ فجّر مكتب التحقيقات الفيدرالي فضيحة عفو بيل كلينتون عن الملياردير مارك ريتش، الذي تبيّن أنه كان سخيًا في تقديم المساعدات لـ«مؤسسة كلينتون»، وجاء ذلك بعد القنبلة المدوية التي فجّرها تكرارًا مدير الـ«إف بي آي» جيمس كومي بإعلانه إعادة فتح التحقيق الفيدرالي في قضية البريد الإلكتروني الخاص الذي استخدمته كلينتون في الخارجية، بما يتعارض مع قواعد الأمن القومي الأميركي.
المثير أنه بعد الفضائح الجنسية التي حاصرت ترامب والابتذال في طروحاته، ومع بداية ظهور ملامح انهيار في حملته الانتخابية، وزيادة الانتقادات التي تقول إنه لا يملك الكفاءة لقيادة أميركا، فكرت قيادة الحزب الجمهوري باستبداله، كذلك فكرت أيضًا قيادة الحزب الديمقراطي مع اتساع فضيحة كلينتون والبريد الإلكتروني، حيث إنها انتهكت القانون قيل تكرارًا إنها في حال انتخبت، ستكون الولايات المتحدة بقيادة رئيسة تواجه تحقيقًا جنائيًا.
اليوم يتجه الأميركيون إلى الاقتراع في عملية تشكّل مفترقًا، ليس لأن النمط الفضائحي سيطر على نقاشاتها فحسب، بل لأن نتيجتها كيفما كانت، ستشكل درسًا لا يليق بصورة أميركا قاطرة الديمقراطية والشفافية في العالم، إن فازت كلينتون لن ينسى الكثيرون أنها تواجه تحقيقًا جنائيًا و«أن سجل آل كلينتون حافل بالأكاذيب والخداع»، كما يقول مسؤولون أميركيون، وإن فاز ترامب لن يصدّق أحد تهويلات أوباما الذي اتهمه يوم السبت بأنه سيشن حربًا نووية، لكنه مباذل سياسيًا قد لا يتردد في تنظيم حملات من التضييق على اللاتينيين والعرب.
كان دائمًا هناك نوع من الفضائح على هامش في الانتخابات الأميركية، مثل الحملة العنصرية على أوباما مثلاً، لكن لم تكن هذه الفضائح الرخيصة الحلبة الأساسية، التي ستكرس بعد ساعات قيادة جديدة تدخل البيت الأبيض ملوثة بالوحل!