جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

«بريكسيت» بنسخته الأميركية

في الثالث والعشرين من يونيو (حزيران) 2016 نامت بريطانيا في أوروبا واستيقظ أهلها ليجدوا أنفسهم على جزيرة بعدما صوّت البريطانيون على الانفصال عن أوروبا، وما إن رشحت النتائج حتى بدا من كانوا وراء حملة الانفصال ومؤيدوها مصدومين من النتيجة لأنهم هم شخصيًا لم يتوقعوا النتائج، فما بالك بالمقترعين المساكين أنفسهم الذين ندموا على اللحظة التي صوتوا فيها بعدما ظهرت مصائب الانفصال المجنون وتداعياته.
التاسع من نوفمبر (تشرين الثاني) 2016 نامت الولايات المتحدة في أحضان أوباما وعلى فكرة أن هيلاري كلينتون هي الأوفر حظًا بالفوز بالانتخابات الرئاسية ليس لأنها المرشحة المثالية ولكنها تطبق المثل الشعبي «الكحل أحلى من العمى»، لتستيقظ أميركا والأميركيون على فوز دونالد ترامب، وأعتقد أن ترامب لم يصدق في قرارة نفسه النتيجة؛ لأن فوزه ووصوله إلى الرئاسة، بحسب العقل والمنطق، من شبه المستحيلات، ولكن أين العقل وأين المنطق؟ فنتائج البريكسيت والانتخابات الأميركية ليست إلا دليلاً قاطعًا على أننا نعيش في عالم مجنون مجنون، وليس من المهم ما يفعله المرء وما لا يفعله لأن الشعوب سئمت وتعبت وأصبحت غير آبهة بالاختيار الموفق.
فجر يوم إعلان نتائج الانتخابات الأميركية، وأنا أتابع التطورات المتسارعة، شعرت وكأنني أشاهد تطورات «البريكسيت» ولكن بنسختها، أو قل نكهتها الأميركية، لأن الأميركيين «يطعمون» مناسباتهم الكبرى بالدراما والمؤثرات الصوتية تمامًا مثل أفلامهم الهوليوودية، ومع إعلان اسم ترامب رئيسًا ضحكت ولم أفاجأ، فعندما يصل بوريس جونسون عمدة لندن السابق إلى منصب وزير الخارجية البريطاني، فمن يتفاجأ بأي نبأ سياسي آخر؟!
المشكلة هنا ليست جونسون ولا ترامب، إنما انعدام المنطق؛ ففي الماضي كان السياسي يخسر منصبه بسبب زلة لسان أو هفوة، أما اليوم فيستفيد السياسي من زلات لسانه المقصودة، فعندما تطاول ترامب خلال حملته الانتخابية التي استمرت 18 شهرًا على المسلمين ووجه انتقادات لمسؤولين، ظن كثيرون أن تلك الهفوات ستنهي حلمه، ولكن في الواقع وعلى عكس التوقعات المنطقية عززت تعليقاته مكانة حملته الانتخابية من الناحية التسويقية وأدت به إلى الفوز وحصوله على مفتاح البيت الأبيض، ولو أن هدف ترامب كان الفوز بالمنصب، ولا أظن أنه كان للعيش في المنزل الأشهر في العالم، لأنه من المؤكد أنه أقل شأنًا من منزله الخاص الفخم نسبة لثروته الضخمة.
وعندما رصدت صحيفة «الغارديان» البريطانية، تاريخًا من الإهانات وزلات لسان وزير خارجية بريطانيا، بوريس جونسون، قالت إنه استطاع من خلالها أن يصنع اسما له حول العالم، فمن منا لا يذكر وصفه للرئيس أوباما بأنه «نصف كيني» ويخفي كراهية ورثها من أسلافه لبريطانيا؟
ومن منا نسي تقليص زيارة جونسون للأراضي الفلسطينية المحتلة من جانب مستضيفيه احتجاجًا على سلسلة من التصريحات المؤيدة لإسرائيل، التي تضمنت قوله للجمهور في تل أبيب إن مقاطعة التعامل مع البضائع الإسرائيلية أمر «جنوني بالكامل»، وهناك زلات لا تنتهي ولكنها في النهاية صبت في مصلحته.
الانتخابات الأميركية تعلمنا كل أربع سنوات درسًا في الديمقراطية، ولكنها هذه المرة علمتنا درسًا في فن أو علم التسويق، فلم تشهد أميركا حربًا انتخابية «سوقية» مثل الحرب التي وقعت بين ترامب وكلينتون، ولم تسقط أي انتخابات إلى هذا المستوى من المهاترات.
وبما أننا متفرجون وغير معنيين مباشرين لا يسعنا القول إلا أننا تمتعنا بالنكات التي أطلقها الموهوبون شرقًا وغربا، والعروض السياحية لجزر لم يسمع أحد بها من قبل نُصح بها الأميركيون بالسفر إليها للترويح عن أنفسهم بعد هذه الفاجعة، كما قدم الطيران الأردني عروضًا إلى مدن أميركية مستخدمًا الجملة التالية: «سافروا إلى تلك المدن قبل فوات الأوان» بالإشارة إلى إمكانية فوز ترامب، وها هو هذا الأخير يحزم أمتعته اليوم للانتقال بعد شهرين إلى البيت الأبيض غير آبه بالسخرية التي طالته وطالت شعره وتعليقاته و... و... و...