جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

خاصية بلا خصوصية!

إذا خيرت بين أن تكون مشهوراً وثرياً أو فقيراً وعادياً ماذا تختار؟
دعوني ألطّف السؤال وأجعله أقل دراماتيكية ومقارنة، فسأستبدل كلمة فقير بميسور ولكن غير مشهور فمن تختار؟
الجاه أمر جميل، فمن منا لا يرغب بأن يعيش حياة رغدة وميسورة، ومن منا لا يحب أن يعيش الرفاهية ويستكشف محاسن الحياة؟ الجواب بديهي، ولكن ماذا عن الشهرة؟
الشهرة يأتي معها المال، فمن المعروف عن الكثير من المشاهير الذين انتهى بهم الامر بالتعرض الى نكبات نفسية ونوبات عقلية بسبب عدم وجود أي نوع من الخصوصية فيما يتعلق بحياتهم الشخصية.
في زيارة أخيرة دعيت خلالها الى "كلارينس هاوس" منزل الامير تشارلز اللندني الذي يعيش فيه مع زوجته كاميلا دوقة كورنوول، وحالفني الحظ بالدخول الى غرفة الجلوس الخاصة بالامير وعائلته، وبما أن الكاميرا والهاتف الجوال كانا من ضمن الممنوعات، فلم يكن هناك أفضل من عيني لكي تلتقط تفاصيل المكان، وأكثر ما شدني في الغرفة الواسعة التي تتربع في صدرها شجرة عيد الميلاد ولو باكراً، طاولة مستديرة مقابل باب مدخل الغرفة، ووضعت عليها صور عديدة للعائلة المالكة، فرحت أحدق بها وبعدما رأيت صورة الامير جورج مع الاميرة شارلوت التي نشرتها الصحف والمجلات مراراً وتكراراً، وصورة أخرى للأمير وليام وزوجته كيت يوم خطوبتهما وصورة للامير تشارلز وزوجته يوم زفافهما.. بالاضافة الى صور أخرى لم أجد في أي منها أي نوع من الخصوصية لانها كلها مستهلكة، وهذا يعني حرفياً عندما يشار الى حياة المشاهير والعائلة المالكة بأنها ملك الآخرين، فحتى صورهم ليست ملكهم فهم فعلاً ملك الشعب.
وإذا ما نظرت من حولك في ذلك المنزل الفخم فلا ترى إلا زوايا متعبة أكل عليها الدهر وشرب، لا تحمل ذوق ساكنيه الحاليين، وللحقيقة لم يشدني في المكان الا لوحة رسمها الامير تشارلز بريشته.
من الصعب جداً أن تتمتع بخاصية الغناء والثراء أو الشهرة وتخسر نفسك وحريتك، وأكبر دليل على هذا الشيء البيان الذي اصدره السكرتير الخاص بالامير هاري الذي جاء فيه طلباً ملحاً على لسان الامير للصحافيين يدعوهم فيها بعدم التعرض لحبيبته الممثلة الاميركية ميغان ماركل، وهذا الامر مؤسف للغاية، فتخيل نفسك مكانه بحاجة لتفسيرعلاقتك بحبيبك للعالم بأجمعه، وقد يكون موضوع فقدان الخصوصية مقابل الشهرة من أكثر المواضيع التي تخطر على بال الامير هاري الذي فقد والدته الاميرة ديانا بعدما فقدت معركتها من أجل الحصول على حريتها وخصوصيتها.
بمجرد أن رأيت صور الامير تشارلز في منزله ، فكرت بأهمية الخصوصية ، فالصورة لها خصوصيتها التي لا نتشارك بها مع أي كان ، وكذلك حياتنا فهي ملكنا نحن دون سوانا ، فعناوين الصحف البريطانية هذا الاسبوع تناولت موضوع الاموال الطائلة التي ستنفق على ترميم قصر باكينغهام ورافقت هذا الخبر عاصفة من الانتقادات للملكة التي تعتبر من أغنى نساء الارض ، فتخيل الملكة بجلالتها وعظمتها لا تملك السلطة لمد أسلاك كهربائية من دون نشر الخبر وإثارة زوبعة في أوساط المناهضين للعائلة المالكة الذين يعتبرون أنفسهم أوصياء على العرش لانهم هم من يدفع الضرائب في سبيل توفير حياة الثراء لافراد العائلة المالكة.
ففي كلمة طريفة للملكة اليزابيث الثانية أخيراً قالت إن أمنيتها بأن تقوم بزيارة رسمية لمكان ما دون أن تشتم رائحة الدهان الجديد، بالاشارة الى أن الجهات التي تدعوها تقوم بطلي الجدران لكي يبدو المكان جذاباً ولكن في الحقيقة هذا ليس ما تتمناه الملكة.
من يعرف، قد تقول الملكة في قرارة نفسها: "خذوا خاصيتي واعطوني خصوصيتي"!