فهد سليمان الشقيران
كاتب وباحث سعودي
TT

جولة خادم الحرمين والتحديات الاستثنائية

مثّلت زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز لدول الخليج علامةً على الرغبة الاستثنائية لإحياء وبعث مجلس التعاون. الجولة الملكيّة تأتي ضمن التحوّلات الجيوسياسية في دولٍ محيطة، متزامنةً مع تبدل رياح السياسة الدولية؛ فالوجهة نحو اليمين في أوروبا وأميركا، والتغيّرات الاستراتيجية قد تكون لافتةً خلال السنوات الماضية، وربما تشكّل عودة أميركا لمنطقة الشرق الأوسط متغيرةً عن الذي دأبتْ عليه منذ أوائل السبعينات حين عبّأت ما تركته بريطانيا، ووجدت في الخليج ودول الاعتدال قوةً يمكن الاعتماد عليها لضرب الاتحاد السوفياتي، وبالتالي تخفيف أثقال الحرب الفيتنامية المنهكة.
كل ذلك التحوّل المنظور يحتم على دول الخليج صيغاً أكثر متانةً لمواجهة التحديات بعد قرابة الثلث قرن على تأسيس مجلس التعاون، تجد السعودية في الإمارات وقطر والبحرين والكويت ما يشبه التطابق في المواقف الاستراتيجية الكبرى، وهذا يساعد على تأسيس اتحادٍ شامل يعزز من قوة الخليج بوجه إيران وميليشياتها الزاحفة من العراق شمالاً إلى أقاصي الجنوب خاصرة الخليج.
فريق الإدارة الأميركية الجديد أخذ طابعاً عسكرياً، والحديث عن إيران شمل تصريحات معظم المنضوين إلى فريق الرئيس المنتخب دونالد ترامب، وهذه فرصة كبرى لدول الخليج أن تؤسس لحشد سياسي وإعلامي وقانوني لعرض تجاوزات إيران على المجتمع الدولي. أيضاً يطالب أعضاء بمجلس الشيوخ مثل السيناتور جون ماكين بتعديلات على قانون «جاستا»، والرئيس أوباما يوقع على ما أقرّه مجلس الشيوخ بتمديد العقوبات على إيران عشر سنواتٍ قادمة.. كل ذلك يصبّ في مصالح دول الاعتدال العربية وأولها دول الخليج، وتعتبر تلك التغييرات مداخل سانحة للدبلوماسية الخليجية أن ترمي بأوراقها الصعبة بذروة هذه السخونة الأميركية تجاه الطغيانية الإيرانية، وبخاصةٍ أن اللوبي الإيراني ينشط إعلامياً في الغرب ويغرق الصحافيين بمعلومات كاذبة عن السعودية والإمارات والبحرين، ويدّعي دفاعه عن الحريات الدينية في المنطقة، ويتباهى بكذبة محاربته للإرهاب.
يقدّم النظام الإيراني نفسه للغرب باعتباره المدافع عن حقوق الأقليات في المنطقة بوجه «الشمولية السنيّة» وحاول أن يروّج لمشروع حماية الأقليات عبر سياسيين مسيحيين في لبنان، والترويج للعالم بأن النظام الإيراني هو الذي يحمي الدروز والمسيحيين والإيزيديين والعلويين في المنطقة ضد «الميليشيات السنيّة» وهذا وجه من الترويج بدأه الخميني حينما اختار صادق قطب زاده وهو ليبرالي لأن يكون مستشاراً له، وكان يثني عليه الخميني لأنه استطاع أن يقدمه للدول الغربية والعالمية باعتباره شخصية دينية منفتحة تؤمن بالتعددية والشراكة والحريات الدينية وتحترم الرأي السياسي، هذا الأمر تجيد اللعب على وتره إيران. وما يجري الآن هو تكرار لما بدأه الخميني منذ أوائل الثمانينات حيث التملّق للغرب وادعاء التمدن، والانفتاح، والدفاع عن الحقوق.
كل المحاولات الخليجية الرامية لتشجيع إيران على البدء بتأسيس دولةٍ مدنية، والاتجاه نحو الدولة بدلاً من الثورة باءت بالفشل، لذا فإن الدرس التاريخي يحتّم علينا البدء بتأسيس الاتحاد الخليجي القوي، فإيران تراهن على تفكيك مجلس التعاون وإضعافه، وهذه الفكرة ستؤسس لأمرين؛ أولهما: تجاوز التعويل الكامل على أميركا بالدفاع عن الخليج والاتكال الكليّ على الذات والقدرات والقوة الشخصية، وثانيهما: تقوية مجلس التعاون وتطوير أهدافه الاستراتيجية تبعاً لتطوّر المشكلات وتحوّل الأجيال وتغير الأزمان وتبدّل رياح السياسة في كل مكان.
الجولة الملكية تأتي ضمن هذا الإطار الصعب، وملك الحزم والعزم يدرك كل الأخطار التي تواجه دول المنطقة، ولديه هاجس الأب الخائف على هذه الدول الغنيّة من أطماع الأفعى الإيرانية.. يدرك الملك سلمان - وهو قائد الحرب على المتمردين المدعومين إيرانياً في اليمن - أن دول مجلس التعاون الخليجي والتآزر السياسي بكسر شوكة إيران العدوانية.. كل ذلك أساس البقاء وبخاصةٍ بين دول غنيّة، لديها قدرات عسكرية، وتمثّل الاعتدال في المنطقة وتثق بها الدول الكبرى في العالم.
جولة الملك سلمان جاءت في توقيتٍ بليغ، فالخليج قراره واحد، ويكفي أن تعلن الإمارات بعد زيارة الملك سلمان أن «هناك تطابقاً بين البلدين بكل الملفّات». إنه زمن خليجي مختلف قد تبدو ملامحه قريباً.