ذات يوم، أخبرني شخص يعمل لدى صحيفة «ديلي تليغراف» قصة مثيرة حول مدافع فريق تشيلسي جون تيري ومدرب المنتخب الإنجليزي السابق فابيو كابيلو (2008 - 2012)، وواحدة من المحادثات التي يروق للمدربين الإنجليز الدخول فيها مع صحافيين. وقعت أحداث هذه القصة منذ بضع سنوات، في واحدة من الفترات التي يبتعد خلالها تيري عن الملاعب، ويبدو وكأنه يمر بحالة انهيار، أو كرجل يتخبط في طريقه في الظلام، محاولا تحسس مفتاح النور.
في ذلك الوقت، سأل شخص ما كابيلو عن سبب استمراره في الدفع بتيري في التشكيل الأساسي رغم أدائه الهزيل، وجاءت الإجابة بسيطة: رغم وجود لاعبين آخرين أسرع ويتمتعون بلياقة بدنية أفضل، فإنه عندما كان كابيلو والمعاونون له يتطلعون بأنظارهم إلى مختلف أرجاء غرفة تغيير الملابس الخاصة بلاعبي الفريق قبيل انطلاق المباراة، عادة ما كانوا يجدون أن تيري اللاعب الوحيد بالمنتخب الإنجليزي الذي لا يقبع وحيدًا صامتًا، ولا يبدو أن جسده يتداعى تحت ثقل قميص المنتخب.
لم يكن تيري خائفًا، بجانب أنه نجح في تقليص الخوف داخل نفوس اللاعبين الآخرين. في الواقع، هذا الأمر واضح تمامًا للعيان، ذلك أنه بغض النظر عن رأيك في جون تيري من المنظور الأخلاقي، فإنه يبقى شخص من الجيد الاستعانة به في المواقف الحرجة التي تتطلب قدرًا خاصًا من الشجاعة والإقدام والقدرة على الإقناع.
وبالتأكيد، فإن هذه المهارات شكلت ميزة إضافية لتشيلسي خلال الفترة الأخيرة التي شهدت تحقيقه الفوز عبر ثماني مباريات متتالية بالدوري الممتاز، ونجاحه في الإبقاء على شباكه نظيفة على امتداد ست مباريات. ومع ذلك، فإنه للمرة الأولى خلال فترة خضوع تشيلسي لملكية رومان أبراموفيتش، فإن غياب تيري بسبب الإصابة عن مباراة كبيرة بحجم تلك أقيمت السبت الماضي، لم يلفت كثيرا من الاهتمام، ولم يثر تكهنات ومخاوف داخل النادي.
وتواترت أنباء هذا الأسبوع تشير إلى أن أنطونيو كونتي المدير الفني لتشيلسي ينوي بالفعل التخلي تدريجيًا عن حامل شارة القائد داخل الفريق، وظهرت تلميحات إلى أن تيري ربما ينتقل إلى نادي شنغهاي شينهوا في يناير (كانون الثاني). أما المصادفة الغريبة حقًا فهي أن فريق شنغهاي شينهوا يتولى تدريبه مدرب سندرلاند السابق الأوروغواياني غوس بويت، واللاعب الذي حل محله تيري في أول مشاركة للأخير في صفوف تشيلسي في مباراة بالدوري الممتاز، وكانت في مواجهة ساوثهامبتون منذ 18 عامًا ماضية، ما يوحي بأن بعض الأسماء التي لمعت في صفوف تشيلسي أواخر تسعينيات القرن الماضي ربما وجدت لنفسها الآن عالما جديدًا لتتألق في سمائه. ومن يدري، ربما يكون لاعب خط وسط تشيلسي السابق جودي موريس وقلب دفاعه السابق مايكل دوبري هناك أيضًا.
في كل الأحوال، تبقى المؤشرات واضحة تمام الوضوح، خصوصا بالنظر إلى أن تيري أكمل عامه الـ36 أول من أمس. ويعتبر في الوقت الحاضر اللاعب صاحب المشاركة الأطول في أي ناد بالدوري الإنجليزي الممتاز، وبفارق خمسة أعوام كاملة عن اللاعب الذي يليه. ورغم هذا، فلا يزال تيري يشارك في الملعب بقوة، ويقود زملاءه، لا يزال يبدو كأسطورة. إلا أنه بعد 18 عامًا زاخرة بالأحداث والانتصارات، بات من المستحيل الآن تجاهل الشعور بأن لحظة النهاية باتت على الأبواب.
وقبل أن نغرق في دوامة احتفالات الوداع، هناك ثلاثة أمور جديرة بالإشارة إليها فيما يخص تيري. أولاً: باستطاعتك أن تكرهه أو تمقته أو أن تكون من مشجعي تشيلسي، لكن في كل الأحوال تظل الحقيقة أن تيري تميز بواحدة من المسيرات الرياضية الحافلة على مستوى كرة القدم الإنجليزية خلال القرن الحالي لا يمكن إغفالها. لقد لعب تيري دورًا بارزًا في بناء الصورة الناجحة القوية التي نرى عليها تشيلسي اليوم. وحال نجاح النادي في اقتناص بطولة لقب للدوري جديد هذا الموسم، فإنه سيتحول إلى القوة الأولى على صعيد الدوري الممتاز دون منازع منذ عام 2004. عندما حمل تيري شارة القائد وانطلق تشيلسي في مسيرته الناجحة الحالية.
بصورة إجمالية، شارك تيري في إجمالي 64 في المائة من البطولات التي حصدها تشيلسي منذ تأسيس النادي عام 1905 عندما كانت مدرجات النادي الواقعة في «فولهام رود» شبه خالية. وهنا تحديدًا، يكمن جزء من التحدي الذي يواجهه كونتي، فهو يسعى الآن للحصول على أول بطولة خارج حقبة «هيمنة تيري».
الملاحظ أن ثمة تغييرا في النبرة وهيكل الفريق حدث بالفعل خلال الفترة الأخيرة، ذلك أن الثلاثي الدفاعي القائم حاليًا يتميز بالحيوية والقوة، في الوقت الذي تراجع فيه دور تيري مع تقدمه في العمر، وبدأ في التمركز داخل العمق. وخلال الموسم الأخير الذي حصد خلاله تشيلسي البطولة، ارتكب تيري 13 مخالفة على امتداد الموسم بأكمله، وما يزيد قليلاً على مناورة واحدة بالكرة لكل 90 دقيقة.
وبالتأكيد كان بمقدور تيري تقديم أداء أكثر تألقًا خلال سنوات ازدهاره، ليدفع بناديه أكثر نحو الأمام. عام 2011 اختير تيري ثالث أكثر لاعب يمرر الكرة بدقة على مستوى أوروبا، ولا يزال حتى هذه اللحظة يتمتع بعدد أكبر من نجم خط وسط برشلونة أندريس إنييستا إذا كنا نتحدث عن صنع الأهداف. إلا أنه بدلاً من ذلك، التزم تيري اللعب داخل حدود ضيقة فرضها لنفسه، وتحول إلى لاعب مألوف على نحو مفرط، وأصبح عنصرًا متكررًا على مدار الانتصارات الحديثة في تاريخ تشيلسي.
أما الأمر الثاني المميز بخصوص تيري فهو بطبيعة الحال أخطاؤه الفادحة وافتقاره إلى الشعبية على نطاق واسع. واتسمت مسيرته الكروية بسلسلة من العثرات والأخطاء، لا داعي لذكر تفاصيلها. إلا أن تعرضه للحرمان من اللعب من جانب اتحاد كرة القدم بسبب تعديه على لاعب آخر بألفاظ عنصرية خلال إحدى المباريات ستبقى وصمة لا تمحى في مشواره الكروي. وأثناء المحاكمة التي أجريت له، تكشف أمام الجميع الدهاليز الداخلية المظلمة لعالم كرة القدم. وقد تقدم تيري باعتذار عن الواقعة واعترف بأن اللغة التي استخدمها كانت غير مقبولة على الإطلاق، على الأقل هو على صواب في هذا الجانب.
فيما وراء ذلك، ومع اقتراب سطر النهاية في قصة تيري داخل الملاعب، يبقى الأمر الأكثر إثارة للانتباه فيما يتعلق بلاعب تشيلسي أنه لا يزال قادرًا على فرض وجوده خلال الفترات الاستثنائية. من ناحية أخرى، يمكن النظر إلى تشيلسي باعتباره نموذجًا لتغييرات كبرى طرأت على كرة القدم الإنجليزية، ذلك أن ملكية النادي انتقلت إلى ملياردير وانطلق النادي في مسيرة نجاح مبهر، وبمرور الوقت بدأ النادي يبدو كصورة جديدة غريبة على الصورة التقليدية القديمة المعتادة لدينا منذ العصر الفيكتوري عن أندية كرة القدم.
في الواقع، إن حياة المرء كملياردير تبدو ذاتها حياة فارغة من أي جوهر حقيقي، فهو شخص لديه وفرة مستمرة من كل شيء، ويعيش حياته بأكملها خلف عالم مغلق من رحلات السفر بطائرات مروحية والإقامة بفنادق طراز سبعة نجوم. وعليه، فإن إقدام الملياردير على امتلاك ناد رياضي كمشروع من يبن مشروعاته يحول هذا النادي بدوره إلى تجربة سخيفة تخلو من أي معنى ولا تمت إلى عالم كرة القدم الحقيقي، لينتقل النادي من عالم النجاحات والإخفاقات والشكوك والأحلام إلى عالم الأرقام والمال البارد القاسي. هذه ليست الرياضة، ولا كرة القدم. ولم يكن المقصود من كرة القدم أن تكون على هذا النحو.
إن بإمكان كرة القدم اجتياز كثير من العقبات والمحن، لكن ليس بإمكانها أبدا اجتياز لحظة واحدة يفقد خلالها جماهير النادي اهتمامهم بأمر ناديهم ولاعبيهم.. هذا تحديدًا التحدي الذي يتعين على القائمين على كرة القدم تناوله الفترة المقبلة، رغم أنه دائمًا ما يقف متواريًا في الخلف. داخل تشيلسي، من الواضح أن حقبة أبراموفيتش نجحت حتى الآن، على المستوى الجماهيري وعلى مستوى الإبقاء على النادي كوحدة واحدة متناغمة. في الواقع، يبدو أن جزءا من هذا الإنجاز، على الأقل خلال الفترة الأولى من انتقال النادي لملكية أبراموفيتش، كان الفضل وراءه يكمن في حيوية تيري وقدرته على الإقناع.. لاعب لم يكن يجسد عقل أو قلب ناديه، بقدر ما كان يمثل أحشاءه وجوهره الذي نجح في ضمان أن يبقى تشيلسي شبيهًا بناد حقيقي لكرة القدم بغض النظر عما يمر به في مسيرته.
وكانت تقارير صحافية كشفت في وقت سابق أن كونتي، مدرب تشيلسي، يستعد للتخلص من مدافعه تيري بشكل تدريجي. وذكرت مواقع رياضية، أن كونتي لا ينوي التمديد لجون تيري، ما يعني أن اللاعب عليه البحث عن ناد خلال الفترة المقبلة. ووجد جون تيري، بعد أن تعافى من إصابة في الكاحل، نفسه على الهامش، وخارج اهتمامات المدرب، خصوصا بعد أن بدأ كونتي يعتمد على ثلاثي الدفاع ديفيد لويز، وكاهيل، وسيزار أزبيليكويتا. وشارك تيري، مع تشيلسي، أمام وستهام في ثمن كأس رابطة المحترفين، وخسرها النادي اللندني 1 - 2. ورغم قوة دفاع تشيلسي في المباريات الأخيرة، فإن أنطونيو كونتي يتطلع للتعاقد مع ليوناردو بونوتشي من يوفنتوس، أو روديجير من روما.
وقال أنطونيو كونتي، في وقت سابق، إن مصلحة الفريق مقدمة على مشاركة جون تيري، حتى وإن كان الأخير قائدًا لتشيلسي.
وأضاف كونتي: «قراراتي تكون فقط لما هو أفضل للفريق من أجل الفوز». وتابع: «مصلحة الفريق أهم من مشاركة لاعب واحد حتى وإن كان قائد الفريق أو من ينوب عنه.. من المهم إيجاد الحل المناسب لاتخاذ القرار الأفضل للفريق». وأوضح كونتي: «أنا دائمًا في محاولة لاتخاذ القرار الأفضل، نحن نفوز معًا ونخسر معًا». وأضاف مدرب تشيلسي: «جون تيري عاد من الإصابة، وهو لاعب مهم بالنسبة لنا، سواء كان يلعب أم لا».
جدير بالذكر أن لاعب الوسط البرتغالي ديكو، حث فريقه السابق تشليسي، على التركيز على قائد الفريق الحالي جون تيري، رغم تقدم عمره. وقال ديكو: «إذا كان يلعب بشكل جيد فيجب أن يبقى، إنه أسطورة وهو القائد السليم للفريق، إنه ضمن أفضل من لعبت معهم في حياتي». وأضاف ديكو: «تيري رجل رائع ومهم جدًا للفريق، إنه قائد وعندما تمتلك لاعبًا مثله فأنت بحاجة إلى وجوده ما دمت تستطيع ذلك». وأضاف ديكو: «تيري يعمل بجد دون كلل أو ملل، ويريد الفوز في جميع المباريات حتى في التدريبات، هذا هو سبب قيادته للفريق حتى الآن».
وكان جون تيري أكد أن الفرنسي ويليام غالاس هو أفضل مدافع لعب بجانبه، خلال مسيرته الكروية حتى الآن. ولعب غالاس لصفوف تشيلسي خلال الفترة بين 2001 وحتى 2006، قبل أن ينتقل إلى صفوف آرسنال. وقال تيري: «على أرض الملعب، كانت علاقتنا لا تُصدق». وتابع: «الجميع يتحدث معي عن أفضل شريك لي خلال سنوات، لقد كنا لاعبين من طراز عالمي، أحب اللعب بجانب غالاس». وعلق غالاس على تصريحات تيري: «لقد لعبنا معا، والتوازن كان رائعًا، ولذلك نحن لعبنا كثيرا من اللقاءات سويًا». وشارك غالاس في 150 مباراة بالدوري الإنجليزي مع تشيلسي، بينما لعب تيري مع «البلوز» أكثر من 700 مباراة حتى الآن.
جون تيري ورحلة حاشدة تتجه صوب النهاية
يمكنك أن تحبه أو تمقته.. ولكن تبقى مسيرة اللاعب ساطعة في سماء الكرة الإنجليزية
جون تيري ورحلة حاشدة تتجه صوب النهاية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة