سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

هافانا: كيف توقع البريطانيون ما لم يره الأميركيون

يكتب الصحافيون التاريخ، أحيانًا بعفوية، أحيانًا برؤية. «الريبورتاج» الذي يُكتب اليوم كرسالة صحافية عاجلة من مكان الحدث، يتحول بعد فترة زمنية إلى مرجع تاريخي مثير. بعد وفاة الدكتور فيدل كاسترو، عادت إلى الذاكرة إحدى أكثر الرسائل إثارة عن الثورة الكوبية. الصحافي والمؤرخ والروائي البريطاني نورمان لويس (1908 - 2003) يكتب قصة وقعت عام 1957، وتحمل اسمَيّ أشهر كاتبين في القرن العشرين، إرنست همنغواي، وإيان فليمنغ مؤلف سلسلة «جيمس بوند»، وكيف أخفق الأميركيون في قراءة الثورة الكوبية البادئة، فيما أدرك البريطانيون قدرتها على الانتصار.
كان إيان فليمنغ عام 1957 مديرًا للقسم الخارجي في صحيفة «الصنداي تايمز»، بعد تقاعده من منصبه العالي في دائرة الاستخبارات البحرية. وكان نورمان لويس قد سافر طويلاً في أميركا الوسطى، وخصوصًا كوبا. وذات يوم، دعاه فليمنغ إلى مكتبه للبحث في «موضوع مقال» للصحيفة. عرض عليه السفر إلى كوبا ومقابلة أكبر عدد ممكن من الناس هناك لمعرفة مدى إمكان نجاح ثورة كاسترو، التي لا يُعرفُ عنها الكثير في بريطانيا. وبدا لي أن رغبة فليمنغ في المعلومات لا تقتصر فقط على الريبورتاج. فقد كان معروفًا أنه كان مدير الاستخبارات البحرية خلال الحرب، ولذا، خمنتُ أنه لا يزال على علاقة بمؤسسات المخابرات بطريقة أو أخرى، ربما بالقطاع المعني بأميركا اللاتينية.
أبلغه فليمنغ أنه غير راضٍ عن مدى ما تعرفه وزارة الخارجية عن تغيرات كوبا، أو عن التقارير التي يرسلها إليه مصدره في هافانا، إدوارد سكوت، الذي يعتقد أن الثورة القائمة في الجبال لا تثير القلق، وأن الولايات المتحدة سوف تساعد الديكتاتور باتيستا على قمعها.
كان فليمنغ يعتقد أن إرنست همنغواي، الذي يعيش منذ سنوات في مزرعته قرب هافانا، على اتصال بالثورة، ومن الأفضل أخذ رأيه في تطوراتها. كما كان يرى أن الكاتب الأميركي صاحب كتاب «لمن تقرع الأجراس؟» عن الحرب الأهلية الإسبانية، يلعب دورًا مع الثوار الكوبيين. بدأ لويس رحلته في ديسمبر (كانون الأول) من ذلك العام، مع تعليمات واضحة عن فليمنغ: تحدث إلى كل من تستطيع؛ الجنرالات، والمزارعين، والخدم، والأطباء... إلخ.
في هافانا، التقى فور وصوله «العميل» سكوت الذي كان يرأس تحرير الصحيفة الصادرة بالإنجليزية «هافانا بوست». وكان قد شاع في لندن أن سكوت هو أحد الذين أوحوا إلى فليمنغ بشخصية «جيمس بوند»، التي هي مزيج من عدة شخصيات بينها فليمنغ نفسه.
إلى اللقاء..