د. الياس وردة
TT

حتى لو سقطت حلب.. الغرب سيعود لتغيير شروط السلم

ما يجري اليوم على مسرح السياسة العالمية قد يكون أسوأ سيناريو بالنسبة للوضع السوري، إذا نظرنا له من مصلحة الشعب السوري وثورته، بينها أحداث، مثل نجاح ترامب في أميركا وقدوم فرانسوا فيليون كمرشح قوي لليمين المعتدل في فرنسا.
وبينما أوباما الذي لم يفعل شيئا مفيدا للثورة السورية، حتى إبّان قوّته، منهمك في مغادرة السلطة خلال شهر، فاليسار الفرنسي الاصلاحي الحاكم (مع حزب الخضر)، والمؤيد، رسميّا للشعب السوري، منهمك في معالجة انقساماته الحادة والتي قد تؤدي به الى الموت السريري، فإن النظام وحليفيه الروسي والايراني، يستثمرون هذا الوقت الذهبي (بالنسبة لهم)، لإحراز نصر مهمّ ومؤثر، في حلب، ستكون له آثار كبيرة على الرأي العالمي (شئنا أم أبينا) وتوطّد نوعا من الشرعية والمصداقية للنظام، على الصعيد الدولي، خاصة وأن المعارضة التي يمثلّها الائتلاف، أثبتت عدم كفاءتها في تمثيل قوى الثورة والمعارضة. كذلك سيترك إعادة السيطرة على حلب، أثره الكبير على أية مفاوضات، ستدفع روسيا اليها بكل ثقلها، في أوائل الربيع المقبل، وستتم تحت جناح فلاديمير بوتين (والذي سيستثمر ذلك أيضا لإثبات ما يسعى اليه من إثبات عودة روسيا كلاعب مهم على المسرح العالمي، بدءا من الأزمة السورية) بترحيب من أصحاب القرار الجدد في أوروبا وأميركا، حيث سيستخدم هذا النصر كذريعة اضافية، ليثبت وبقوّة عجز هذه المعارضة السورية وضعفها وعدم مصداقيتها لتساهم كشريك حقيقي فيها.
إني أرى أن روسيا ستمكّن النظام من السيطرة على حلب، لتكون صاحبة الكلمة الأولى في المعادلة السورية وتفرض نفسها كأمر واقع سيقبل به الغرب، في ضوء التغييرات السياسية خلال الأشهر المقبلة. لكن هذا الانتصار، في حلب، والذي يتمُّ مع نظام سوري في غاية الضعف، لن يكون حاسما، بالنسبة الى حلّ دائم للأزمة السورية لصالح إرساء نظام، تحوّل الى دمية بوجود أو حتى بدون وجود بشار الأسد، بالترويج بأنه الوحيد القادر على تمثيل الدولة السورية. وذلك لأسباب عدة، من أهمها، أن حلف بوتين هذا، فيه نقاط ضعف كبيرة، رغم الدور الذي أخذته تركيا فيه، أو على الأقل، تمّ التفاهم معها فيه، بعد دعم الرئيس بوتين للرئيس اردوغان ضد محاولة الانقلاب الفاشلة، بحيث يضمن لها مصالحها في سوريا وخاصة عدم وجود كيان كردي مستقل ومتواصل مع كردستان العراق (وهو ما يفسّر، عدم تدخل تركيا في ما يجري في حلب، خاصة وأنها اقتنعت بأن المعارضة الرسمية السورية أصبحت غير مرئية ولا مسموعة، على كل الأصعدة) الدولية، أو الداخلية السورية.
أمّا نقاط الضعف المذكورة أعلاه، فتتمثل في:
إن روسيا لن تستطع الانسحاب من سوريا بسرعة، نظرا لاستمرار حاجة النظام لها، ونظرا لأن انسحاب كهذا، سيظهر ضعف روسيا، عداك من ضرورة استمرار حاجتها لحماية مصالحها في سوريا، وخاصة من الهيمنة الإيرانية ذاتها، رغم وضعها الاقتصادي الصعب للغاية.
‪ثانيا، ولأنه لا يمكن بناء سلام حقيقي تحت أزيز الطائرات وهدير الدبابات وإيقاع المدافع وروائح الغازات السامة! ستبقى هناك كفاية من السوريين الأحرار
ليستمروا في المعركة بشكل ذكي ومتماسك مع الشعب السوري.
‪ثالثا، إن اعطاء أية مصداقية لهذا السلم تقتضي البدء بعملية بناء، على الأقل، لتأمين مأوى وماء وكهرباء، حتى ولو اقتصر ذلك على عشرة ملايين مُهجّر في داخل سوريا نفسها! وهنا بيت القصيد، ، فلا روسيا ولا إيران لهما من القدرة على توزيع مئات المليارات من الدولارات، لإعادة الإعمار لكي تساهم في تثبيت قواعد النظام وإعطائه المزيد من الشرعية، داخليا وعالميا، والتي هو بأمسّ الحاجة لها
‪رابعا، الغرب وحده هو القادر على فعل ذلك، لأنه سيستفيد في اقتصاده أيضا، ولأنه سيسمح له بالعودة الى داخل المعادلة السورية، وبقوة، ولعلمه التام بأن روسيا مارد عسكري برجل من فخار، بسبب وضعها الاقتصادي وضعفها التكنولوجي‪.
وهكذا، فأنا أرى أنه يمكن للغرب، العودة وبقوة، لتغيير شروط السلم الذي سيفاوض من أجله فلاديمير بوتين، بعد نصره في حلب أو أكثر من حلب! لكن نجاح ذلك يتطلب توفرّ شرطين رئيسيين: أولهما وجود معارضة سورية منظمة، ومتماسكة حقا مع شعبها، وملتزمة ببرنامج عمل وطني، يعتمد مبدأ المواطنة وضمان المساواة في الحقوق والواجبات، لكل الشعب السوري، بكل أطيافه، نساء ورجالا، ومعبّرة عن تطلعاته، وثانيهما ادراك القادة الغربيين، وخاصة الجدد، بأن تقاسم الكعكة على ظهر الشعب السوري، دون التجاوب مع تطلعاته المشروعة ومشروعه الوطني، لن يضمن السلم والاستقرار اللازم، حتى يتذوقوا طعمها دون اختناق!
ولكن لا بدّ من التنويه، بأنه لا بدّ من تحقيق الشرط الأول، بداية، حتى يتوفرّ بعض الأمل بتحقيق الشرط الثاني.