د. شملان يوسف العيسى
كاتب كويتي
TT

حول التعليم والتنمية

في الوقت الذي تهتم فيه دول الخليج العربية بإيجاد بدائل جديدة للدخل، بعد تدهور أسعار النفط بالتركيز على دعوة الاستثمارات المحلية والأجنبية للاستثمار في بلدانها، نجد معظمها لم يركز بما فيه الكفاية على الاستثمار الحقيقي بالبشر.. فنظم التعليم في معظم دول الخليج رغم الاستثمارات الضخمة التي تنفقها هذه الدول على قطاع التعليم، لم تبلغ المأمول منها، خاصة أن هنالك اهتماما متزايدا في كل دول العالم بالتعليم وكبقية تحديثه وتطويره.
منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) أعدت برنامجًا عالميًا لتقييم وقياس المهارات المعرفية للطلاب فئة 15 عامًا لـ72 دولة شاركت في هذا البرنامج، بمشاركة 540 ألف طالب، والاختبار يركز على 3 مجالات أساسية هي القراءة والرياضيات والعلوم، ويقام الاختبار كل 3 سنوات... تجمع الأسئلة في هذه المجالات المحددة من دون التركيز على محتوى المنهج، بل على المعرفة والمهارات الأساسية التي يحتاج إليها الطلبة في حياتهم، إضافة إلى التركيز على استيعاب المفاهيم والقدرة على العمل في أي مجال تحت مختلف الظروف.
نتائج الاختبارات كانت مفاجئة للجميع، لأن الدول التي حصلت على أفضل المراكز هي دول آسيوية من العالم الثالث.. لكنها طورت وحدثت نفسها في السنوات الأخيرة بفضل الاهتمام بالتعليم الحديث، وهذه الدول التي هي: سنغافورة – هونغ كونغ – فيتنام – مكاو – ولحقتها اليابان – سويسرا – استونيا – فنلندا – البرتغال، والأرجنتين حققت تقدمًا ملموسًا في الفترة الأخيرة، وعند الاستفسار عن أسباب تحسن التعليم في الأرجنتين، قال وزير التربية الأرجنتيني منذ عام 2015، بدأنا نركز على المدرسين.. فالمدرس الذي لديه الاستعداد لتطوير نفسه ومهاراته، يحصل على امتيازات كثيرة، أما المدرس الذي لا يطور نفسه يبعد! أما التجربة البرتغالية في تطوير التعليم فقد ركزت على تعدد الاختبارات لمعرفة مستوى الطلبة، كذلك حدثت المناهج وطورتها كما اهتمت بتطوير المدرسين.
ما يهمنا من التجربة البرتغالية في الخليج، هي أن هذه الدولة استطاعت تحقيق إنجاز كبير، رغم تخفيض ميزانية التعليم للظروف الاقتصادية التي تمر بها. فالبرتغاليون حققوا إنجازا لأنهم ركزوا على الأولويات الصحيحة.
ماذا عن الدول العربية بشكل عام والخليج بشكل خاص؟ الدول العربية التي شاركت بهذه الاختبارات (بيزا PISA، وتيمس TIMS) كانت نتائجها بشكل عام متدنية، رغم كل الشعارات التي تطلقها الدول العربية عن اهتمامها في هذا المجال.
السؤال هنا هل تنظر بعض الأنظمة العربية للإنسان المتعلم نظرة خوف وريبة، وكأنه يشكل تهديدًا للمجتمع؟ يبدو أن الأمر كذلك! وبسبب هذه النظرة الخاطئة كان التركيز على التعليم الكمي وليس الكيفي الذي أساسه التلقين، الذي يعتمد على الحفظ والتلقين، بدلاً من الإبداع والخلق وطرح التساؤلات، كما أن التركيز في التعليم على المواد الأدبية أكثر من المواد العلمية. هذه العيوب في النظام التعليمي خلقت وخرجت أجيالاً جديدة من الطلاب لا تصلح للعمل إلا في الجهات البيروقراطية غير المنتجة.. بينما الوظائف العلمية والفنية والميكانيكية تركناها للوافدين الأجانب من كل بقاع المعمورة.
الآن وبعد انخفاض أسعار النفط واكتشاف أن اقتصادنا يحتاج إلى تنويع وخلق وإبداع، مطلوب منا اليوم دراسات جادة لتحديث المجتمع من خلال التعليم المتميز، فتنويع الاقتصاد لا يعتمد على تشييد المصانع والمباني والدعوة للاستثمار في بلداننا فقط.. الاقتصاد الحقيقي هو «اقتصاد المعرفة»، الذي يعتمد في المقام الأول على الإنسان ومقدرته على الإبداع والخلق والبحث عن أفكار وأطروحات جديدة مبتكرة.. هذا الاقتصاد الجديد، هو الذي خلق الشركات العملاقة العالمية الجديدة مثل «أبل» و«غوغل» و«أمازون» و«سامسونغ» وغيرها. هذه الشركات قامت على سواعد شباب أعمارهم أقل من 30 عامًا... وهذا يعني أن الاقتصاد المعرفي يحتاج إلى شعب يدعم ويرعى الشباب المتعلم والطموح، القادر على الإبداع والتغيير وتطوير نفسه من خلال العلم والمعرفة ومواكبة روح العصر... ينبغي ألا نفشل في تغيير أنظمتنا التعليمية بشكل جذري، فإن قطار التنمية والتغيير لن ينتظر، وحتمًا سوف نخسر ثورة المعلوماتية كما خسرنا الثورة الصناعية والحداثة والتنوير إن لم نفعل.