سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

ضم القرم

لم يبقَ أحد من الغزاة التقليديين في العصور القديمة لم يحتل شبه جزيرة القرم: يونانيون، ورومان، وفرس، وتتر، وقوطيون، وآخرون. لكن في القرن الثامن عشر، ضمها الروس. وعام 1956 أهداها الزعيم السوفياتي نيكيتا خروشوف إلى بلده الأصلي أوكرانيا. وقبل 5 أعوام أعاد فلاديمير بوتين ضمها إلى روسيا. وحكاية القرم، مع الاعتذار عن جنوح حقائق التاريخ، ضم.. ضم في ضم.
إنها أيضًا حكاية امرأة، قال المؤرخون إنها أقوى امرأة في التاريخ. وقال بعضهم إنها أسطورة في النشأة وفي الحكم وفي المغامرات الشخصية والعسكرية. وهذه الإمبراطورة التي جاءت من عائلة نبيلة صغيرة في ألمانيا، كانت لا ترحم في طلب السلطة والإعجاب، ولكنها أيضًا كانت فاعلة خير من طراز نادر، شديدة الولاء للأصدقاء، كثيرة الرحمة على الأعداء، شديدة الاجتهاد، شديدة الذكاء.
عام 1746 استدعت إليزافيتا، إمبراطورة روسيا، الأميرة صوفيا، لاحقًا كاترين، وهي في الرابعة عشرة، إلى البلاط الروسي في سانت بطرسبرغ، لكي تزوجها من وريث العرش، الدوق الأكبر، بطرس. لكن العروس الشابة وجدت في الدوق إنسانًا خاملاً ومتعجرفًا وقليل الرجولة. كان هو أيضًا من أصول ألمانية، لكن فيما انصرفت هي إلى دراسة التاريخ والآداب الروسية، كان هو يحتقر كل ما هو روسي. وسرعان ما سحرت الجميع من حولها في البلاط: الإمبراطورة والموظفين وقادة كتيبة الحرس. وعندما لم يرزق الدوق بمولود، يقول المؤرخ سيمون سيباغ مونتفيوري، دبرت إليزافيتا أن تحمل كاترين من عشيقها الأول، سيرج سالتيكوف، فولد الدوق بولس. بعد وفاة إليزافيتا بستة أشهر، لم يبقِ بطرس الثالث أحدًا لم يخاصمه. دبرت هي قتله شنقًا واستولت على العرش.
أظهرت كاترين مقدرة وحنكة في الحكم، وبدأت بتوسيع السلطة الروسية صوب البحر الأسود، سالخة الأراضي من العثمانيين. وعيّنت لجنة خاصة لإلغاء قانون القيان. وراحت تراسل فلاسفة أوروبا، وبينهم فولتير، الذي أطلق عليها لقب «العظمى». هنا دخل في حياتها وفي حياة روسيا الأمير بوتمكين، الجنرال في الحرب. بدأت العلاقة بينها وبين الرجل الوسيم، ذي العين الواحدة، الذي يصغرها باثنتي عشرة سنة، عام 1773. ويقال إنهما تزوجا سرًا. وأصبح شريكها في الحكم حتى بعد انقطاع العلاقة الشخصية. ومعًا أعلنا ضم القرم، وبنيا المدن والأساطيل. وكان عهدها ذهبيًا بالنسبة إلى الروس.