د. شملان يوسف العيسى
كاتب كويتي
TT

احتواء الأزمة الإيرانية ـ السعودية

هل يمكن احتواء الأزمة بين الرياض وطهران بمجرد السعي المتواصل من بعض العواصم العربية والخليجية؟.. وهل من الإمكان إجراء خطوات تحقق التسويات المطلوبة بغرض إنهاء الخلافات بينهما، خصوصًا أن الخلاف لا يشمل الدولتين فقط بل يشمل شبكة معقدة من العلاقات بين طهران والدول المجاورة لها؟
بالنسبة للعلاقة بدول الخليج العربية هل يمكن حل الأزمة السعودية - الإيرانية بمعزل عن دول مجلس التعاون؟ ونعني هنا التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للبحرين..
هل تستطيع السعودية التوصل إلى تسوية مع طهران بعيدًا عن واقعها العربي، فالسعودية مشكلتها مع طهران ليست ثنائية خاصة بالدولتين بل مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالتدخل الإيراني السافر بالشؤون الداخلية للدول العربية المجاورة لها وتحديدًا العراق وسوريا واليمن.
المعضلة الرئيسية في العلاقات الإيرانية - السعودية تكمن في حقيقة أن إيران ترى نفسها دولة عظمى في المنطقة وأن من حقها الدفاع عن مصالحها الوطنية في المنطقة، لكن الإشكالية أن النفوذ الإيراني في المنطقة يتمدد ليشمل التدخل السافر في كل من العراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن، كما تدعم طهران حركة حماس في غزة، وتأتي كل هذه التدخلات تحت ذريعة حماية الأقليات الشيعية في العالم العربي... وسعت إيران لتوسيع علاقتها السياسية بالأحزاب والحركات الإسلامية الشيعية.. بل بادرت بإنشاء ميليشيات شيعية تابعة لها في كل من العراق (الحشد الشعبي) ولبنان (حزب الله).. حتى أصبحت هذه الميليشيات تنافس الجيوش الوطنية في كل من لبنان والعراق.
ماذا عن السياسة الأميركية في المنطقة تجاه إيران؟ إذ إنه من الصعب تحقيق التقارب السعودي - الإيراني من دون الأخذ في الاعتبار الموقف الأميركي الجديد تجاه طهران، فالتقارب الأميركي الإيراني في عهد الرئيس السابق باراك أوباما جاء من خلال دعم المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي الذي طلب من روحاني تحسين الاقتصاد والانفتاح على الآخر، وقد نجحت إيران في كسب رضا الغرب بإعلان رفع الحصار الاقتصادي عن طهران، وقد أبدت الدول الغربية رضاها عن السياسة الإيرانية، مما جعلهم يؤكدون دور إيران في الحفاظ على الأمن والاستقرار من خلال التفاهم معها بتقديم تنازلات في الملف النووي الإيراني وتحقيق عملية السلام ومحاربة الإرهاب وحل القضية السورية.
السؤال هل تستمر السياسة الأميركية تجاه إيران بعد رحيل أوباما وقدوم الرئيس دونالد ترامب؟.. الرئيس الجديد لديه تصريحات واضحة ضد إيران، وقد أعلن أن سياسة بلاده سوف تتغير تجاه طهران.. فقد جدد تهديداته بتجديد العقوبات واستمرار الحصار الاقتصادي إذا لم تتغير سياسة إيران في المنطقة.
إيران حتمًا لن ترضخ للتهديدات الأميركية وكما فعلت سابقًا سوف تبدأ في تهديد المصالح الأميركية في دول الخليج العربية، كما فشلت محاولة طهران حث دول الخليج على الابتعاد عن الدول العظمى. دول الخليج تعي تمامًا المراوغة والخداع الإيراني، خصوصًا بعد تدخلها السافر في القضايا المحلية في البحرين والسعودية والكويت...
هنالك تساؤلات كثيرة حول المرونة في السياسة الإيرانية التي تبديها إيران حول الملفات الشائكة والقضايا الخلافية الكثيرة بين طهران ومحيطها العربي في الخليج.. وأخيرًا نتساءل هل يعي العراق ودول مجلس التعاون الخليجي طبيعة التركيبة السياسية في إيران التي تستوجب هيمنة المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي على نصيب الأسد في آلية اتخاذ القرار في السياسة الخارجية لإيران، خصوصًا القضايا التي تمس الأمن القومي الإيراني، ويشمل الأمن القومي استمرار الوجود الإيراني في كل من سوريا والعراق ولبنان واليمن وغيرها.. هل لدى دول الخليج والدول العربية سياسة بديلة لردع التمدد الإيراني؟ الخيار الوحيد العملي هو استمرار دول الخليج في حث إيران على الانسحاب من الدول العربية وتحقيق مصالحنا المشتركة، لكن ذلك لن يتحقق ما دام النظام المؤدلج الديني يحكم طهران، فالضمان الوحيد لاستقرار دولنا هو توثيق علاقتنا مع الدول العظمى المحبة للسلام والاستقرار في المنطقة.