إميل أمين
كاتب مصري
TT

مجلس الأطلسي ورؤية للشرق الأوسط

قبل أن ينصرم العام الماضي، ووصول رئيس جديد للولايات المتحدة إلى البيت الأبيض كان مجلس الأطلسي يصدر تقريرا مهما لم يلتفت إليه الكثير في عالمنا العربي، ربما لتدافع الأحداث وصخبها، يتناول استراتيجية جديدة للشرق الأوسط.
لمن لا يعرف، فإن مجلس الأطلسي مؤسسة بحثية غير حزبية مؤثرة في مجال الشؤون الدولية تأسست عام 1961، ويوفر المجلس منتدى للسياسة ورجال أعمال ومفكرين، ويدير عشرة مراكز إقليمية، وبرامج وظيفية تتعلق بالأمن الدولي والازدهار الاقتصادي العالمي، ويقع مقره الرئيسي في واشنطن دي سي.
التقرير صدر عن فريق عمل برئاسة مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية في عهد كلينتون، وستيفن هارلي مستشار الأمن القومي الأسبق، وبمشاركة عدد من الخبراء الأميركيين البارزين في شؤون العالمين العربي والإسلامي، وكان العمل فيه قد بدأ في فبراير (شباط) من عام 2015، ما يعني أنه عمل رصين بذل فيه جهد واضح، وجاء في أكثر من مائة ورقة.
والهدف الرئيسي منه هو خلق استراتيجية جديدة للمنطقة تكفل البدء في تغيير المسار الحالي لمنطقة الشرق الأوسط ككل، حتى تستطيع المنطقة، بمرور الوقت، أن تتجه نحو نظام أكثر استقرارا وسلما لدول ذات سيادة.
يعتبر كتاب هذا العمل أن دول وشعوب منطقة الشرق الأوسط لديها المصلحة الأكبر في توجيه الدفة إلى المسار الصحيح، حيث أنظمة حكم شاملة وشفافة، فعالة وغير فاسدة، تسعى لتقوية وتمكن المواطنين للمشاركة بشكل كامل في بناء الأوطان، عطفا على لعب دور بناء في نظام دولي ليبرالي حيوي وعصري.
غير أن المصالح الأميركية لا تداري أو تواري في العمل، ذلك أنه وبحسب نص كلمات التقرير: «فإن الولايات المتحدة أيضا لديها مصالح حيوية تؤثر على كل من حياة ومعيشة الأميركيين وأسرهم، مثل حماية المواطنين من الإرهاب، وحماية الاقتصاد الأميركي، ومراعاة الأصدقاء والحلفاء، وتمكين العمليات العسكرية الأميركية العالمية، ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، وتجنب الكوارث الإنسانية المزعزعة للاستقرار». التقرير لا يخلو من التنظير التاريخي لذهب المعز وسيفه، أو العصا والجزرة، إذ يتطلع إلى إلغاء الافتراضات القديمة بأن البلدان والشعوب يجب أن يختاروا ما بين الأمن ومجتمعات أكثر انفتاحا... أي المفاضلة بين الأمن والحرية، وفي الأمر فخ واضح لا شك، وتتعزز فرضيته، عندما يضيف... «كلما اتخذت بلدان المنطقة مزيدا من الخطوات لتحسين حكمها وحياة شعوبها، زادت شرعيتها، وتوقعت مزيدا من الدعم من الولايات المتحدة ومن شركائها عبر الأطلسي». هناك رؤية سياسية في هذا العمل مغايرة بالمطلق لزمن إملاء الإرادات السياسية، فالحديث يدور عن أن مرحلة قيام القوى الخارجية بمحاولة تدبير وحتى إملاء الواقع السياسي في المنطقة قد انتهت... لكن التهديد المبطن لا يزال قائما في الفكر الغربي الأطلسي، وعندهم أن الخيار واضح: «وضع أساس لنظام جديد للشرعية السياسية أو الاستسلام للأزمة التي لا تنتهي، ولعدم الاستقرار والإرهاب، فإما تمكين المواطنين أو مشاهدة السلطة تؤول إلى أيدي المجرمين والإرهابيين». شيء مختلف في رؤية المجلس العتيد، إذ يبدو أن المراجعات الأميركية لعهود بوش الابن وحروبه العلنية، وباراك أوباما وهجماته السرية، أفادت بقصر النظر الأميركي، الذي ركز على إشكالية الأمن، وعمد إلى «القوة العسكرية الخشنة» في محاولة لحلحلة المواقف المتعثرة.
التقرير يشير إلى أن الأميركيين قد تعبوا من الحروب في الشرق الأوسط والتي على ما يبدو أنها لا نهاية لها، ولهذا كان لا بد من نهج مغاير، للنهج الإمبريالي القديم، فعند صناع هذا العمل الفكري، أنه منذ عهد الاستعمار الأوروبي، لعبت القوى الخارجية دورا كبيرا في تشكيل الأحداث في المنطقة، إلا أن هذا النهج لم يعد صالحا في عصر الدول ذات السيادة والمواطنين الإيجابيين، وبذلك يتطلب الأمر نهجا استراتيجيا جديدا، عماده تحمل دول المنطقة مسؤولية رسم مستقبلها. أكثر عبارة وردت في التقرير ذات فاعلية ولا يمكننا التشكيك في جدواها، هي تلك التي تتحدث عن حاجة المنطقة إلى القوى الخارجية، لأن تلعب دورا مختلفا تماما عن ذي قبل: «لا تحتاج دول الشرق الأوسط للاستعماري المتسيد، ولا الغازي ولا الشرطي، ولكن تحتاج إلى المحفز والميسر في مساعدة شعوب المنطقة على بناء نظام إقليمي جديد».
أخيرا يتبقى القول هل هذه التوجهات وبعضها جيد بدرجة واضحة، يمكن أن تتقاطع وتتفاعل بشكل إيجابي مع توجهات الرئيس ترمب التي بدأنا نرى إرهاصاتها أم أن العكس هو الصحيح؟