محمد رُضا
صحافي متخصص في السينما
TT

ما وراء ورشات السينما

كنت، بالأمس، أجلس مستمعاً لنقاش حول نشاطات عدد من ورشات السينما وصناديق الدعم في بعض دول العالم العربي وخارجها، عندما خطر لي أمر يدعو للتفكير.
قبل البوح به، المكان هو مدينة الكويت التي دعتني لتقديم محاضرة حول النقد السينمائي، وذلك ضمن فعاليات الدورة الأولى من مهرجان الكويت السينمائي. هذا المهرجان الجديد الذي يشرف عليه أحد المخلصين الكويتيين للثقافة والفنون، وهو الأستاذ شاكر أبل، والذي يريده منبراً لا لعرض الأفلام فقط، بل لتأصيل العمل السينمائي في هذه الفترة من الحياة الثقافية والفنية في الكويت.
ورشات السينما، لمن لا يعرف منا، هي عبارة عن محاضرات تتخصص في تعليم الراغبين الجوانب المختلفة للعمل السينمائي، كل بحسب رغبة الطالب. هناك ورشات سيناريو، وورشات إخراج، وورشات تصوير، وورشات مونتاج، وورشات إنتاج وتوزيع... إلخ.
كل هذا على أمل مساعدة الطلاب الجدد على فهم المطلوب للتقدم في الجانب أو الحقل الذي اختاره كل منهم لعمله.
أما السؤال الذي خطر لي فهو التالي: تتبدى هذه الورشات اليوم سبيلا مهما في عملية تحضير الكتاب والمخرجين وباقي الفنانين والفنيين للعمل في هذه الحقول المختلفة. يتم الصرف عليها والبذل فيها واختيار المحاضرين النموذجيين للمهام المناطة بهذه الورشات. لكن ماذا عن تلك العصور التي لم تكن ورشات العمل هذه موجودة؟
كيف جرى أن أفضل الكتاب والمخرجين حول العالم لم يدرسوا السينما بل مارسوها مباشرة، وهناك من درسها في المعاهد المتخصصة وأفلح كذلك، لكن ورشات السينما لم تكن موجودة، لا في الثلاثينات ولا ما بعدها، بل انتشرت مع مطلع القرن الحالي.
إذا كانت ضرورية، كيف نفسر أن السينما ولدت وترعرعت وانتعشت من دونها لمعظم سنوات حياتها؟
بالطبع هناك فوائد من وراء هذه الورشات. أولها أن كثيرا من الشباب الراغب في العمل في السينما لا يملك القدرة على دخول مدارس سينمائية متخصصة؛ لأنها مكلفة. ومن بينها أنها تغذي المهرجان الذي يضمها إلى برامجه (وكلهم تقريباً باتوا يفعلون ذلك) وتزيد من فاعليته، ومن علاقته مع الجمهور.
الورشة تؤمن دوراً للمهرجان لدى المتابعين إلى جانب عرض الأفلام، وباتت عملاً لعدد من السينمائيين المجرّبين، وبعضهم لا يجد حالياً أي عمل آخر.
كذلك فإنها، في النهاية، إرشاد للطلاب للوجهة الصحيحة، كل في الحقل الذي اختاره. لكن كل هذا لا يلغي السؤال السابق. لماذا هي مهمّة اليوم ولم تكن موجودة في الأصل عندما تم صنع الكيان الهائل لهذا الفن الكبير؟
ربما الجواب هو ما نفتقده اليوم تماماً. أيامها كانت هناك صناعة سينمائية كبيرة يتدرج إليها طالب السينما فيعمل فيها ويتعلم بينما يمارسها مباشرة. كثير جداً من مخرجي العالم بدأوا مساعدين في الإنتاج والتصوير والمونتاج، ثم انتقلوا إلى الإخراج. وهذه البداية كانت تغني عن أي مدرسة أو ورشة عمل أخرى.
اليوم اختلفت الأحوال، والصناعة الفعلية محصورة بين هوليوود وبوليوود والصين وجوارها، وفي أنحاء من أوروبا. العالم العربي من تلك المناطق التي تراجعت فيها الصناعة كماً ونوعاً. وما لدينا اليوم أفلام تسعى بمنأى عن وجود أسس توزيع وتسويق، وبالتالي صناعة.
الورشات إذ تؤمن المعرفة وتساعد البعض على إنجاز أعمالهم (إذا ما فازت مشروعاتهم بدعم مباشر) إلا أنها لا تستطيع أن تخلق سوقاً للأسف. ما يجعل معظم الشبان الطامحين غير قادرين على تحقيق مشروعاتهم بورشات عمل أو من دونها.