خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

دنيا المغترب

في أواخر القرن التاسع عشر ظهرت في الغرب، على الخصوص، القارة الأميركية، ظهرت ظاهرة المهجر العربي. عبر عنها أدباء مثل جبران خليل جبران وشعراء مثل ميخائيل نعيمة وإيليا أبو ماضي. عبروا عن هموم المهاجر العربي في حنينه إلى وطنه العربي كما تمثل في أغنية «خذني عالبلادي».
لم يأخذها أحد ولم يفلح بلدها أحد، فبعد قرن من الزمن، في أواخر القرن التالي، القرن العشرين، توسعت الظاهرة وانتقلت إلى القارة الأوروبية، في شخصية المغترب العربي. شعراء وأدباء وموسيقيون وفنانون هربوا من وطنهم العربي ولاذوا بأوروبا، شرقها وغربها. راحوا ينظمون ويكتبون ويحررون وينشرون في العواصم الغربية، موسكو وبرلين وبراغ شرقاً وباريس ولندن وفيينا غرباً. راحوا يعبرون عن نفس النغمة، الحنين لبلدهم الأصلي ويبكون على ما حل به من نكسات وخيبات وانقلابات.
كان من هؤلاء الشعراء البارزين محمد مهدي الجواهري الذي نشر ديوان «بريد الغربة» ونظم قصيدته العصماء «سلام على دجلة». كان من هذا الرهط أيضاً بلند الحيدري صاحب قصيدة: ساعي البريد، ماذا تريد؟ أخطأت لا شك فما من جديد، تحمله الأرض لهذا الطريد! أحاط به في لندن وباريس عدد من أدباء بلده. كان منهم صديقه أنيس عجينة الذي بعث إليه من باريس بهذه الأشعار السوداوية:

بلند، يا من أنت ملء خاطري
غربتنا سوداء كالمقابر
قل لي متى نعود للبلاد
وننقذ الأرض من الفساد؟
قل لي متى يعود للزهور
شميمها العابق بالعطور؟
قل لي متى يا شمعة الديجور؟

رد عليه أبو عمر بأبيات حملها كل وحشة الغربة وأسى الوطنيين والحنين لأيام وسنين مضت ولم يبق منها غير الذكريات الأليمة بعد أن شردتهم حكوماتهم العاتية وظلمات الجهالة والتخلف. وكانت أبياتاً حملها لفتات ساخرة لا تخلو من الدعابة والدغدغة التي جمعت الحلو والمر في بساطتها وبراءتها:

يا أنيس يا من بز ألف شاعر
من امرئ القيس إلى الجواهري
في كل بيت قاله منارة
شامخة تسخر بالمنائر
أشكو إليك يا أخي من زمن
صرنا به نحكم بالقنادر
من سارق من فمنا لقمتنا
وخارج من جزمة العساكر
شردنا من بلد لآخر
والله يدري كم لنا من آخر!