جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

طبيب بلا مقعد.. وعقاب جوي

إذا فاتكم الخبر الذي شغل وسائل الاعلام منذ أيام، لا بد أنكم شاهدتم مقطع الفيديو الذي بين أحد مسؤولي الامن على متن طائرة تابعة لشركة "يونايتد إيرلاينز" الاميركية التي اجبرت الطبيب الفيتنامي الاصل د. ديفيد داو على ترك الطائرة بعدما تم عرض مبلغ 1000 دولار على كلٍ من المسافرين لقاء الاستغناء عن مقعده بعدما تبين أن الشركة قامت ببيع عدد أكبر من سعة الطائرة من المقاعد.
وعندما رفض الركاب العرض لجأت الشركة الى الخطة رقم اثنين التي تقضي باختيار أحد الركاب "من دون أي سبب" وإرغامه على ترك المقعد الذي دفع ثمنه.
قصة الحجز الزائد الذي يتعدى عدد مقاعد الطائرة ليست بجديدة، لان شركات الطيران تقوم ببيع تذاكر يفوق عددها سعة الطائرة لسبب منطقي لان أكثر من 5 بالمائة من الركاب يحجزون ويغيرون رأيهم في آخر لحظة وهذا الامر يؤدي الى تكبيد شركات الطيران خسائر طائلة، ولهذا السبب تقوم الشركات بما يعرف بـ" Over Booking" لحماية نفسها من المسافرين غير الآبهين بالمجيء الى المطار والسفر في الموعد المقرر.
إلا أن هذا القانون المعتمد دولياً لا يبرر تصرف موظف الامن تجاه الدكتور داو، والاسوأ هو أن الشركة لم تكتف بإهانة الراكب وسحله على الارض لا بل بررت فعلتها بفضحه ونشر معلومات شخصية عن ماضيه السيئ كطبيب ، وما أزعجني في الموضوع أكثر من أي شيء هو تحويل هذا الراكب المسكين الى مجرم ولم تعتذر الشركة منه لا بل قالت إنه كان مشاغباً ولم يستمع الى كلام مسؤولي الامن ولم يستجب لطلبهم ترك الطائرة.
كيف يعقل أن يتحول المسافر الى مجرم بمجرد رفضه ترك مقعده؟ ولكن وفي المقابل تفسير شركات الطيران لا يدخل فيه عامل الانسانية لان قانون الملاحة الجوية يعطي الحق لقائد الطائرة بطرد من يشاء ولاي سبب من الاسباب.
وهذه الحادثة تحدث بشكل دائم، فهناك مسافرون يسعون دائماً لحجز تذاكر على رحلات محجوزة بالكامل في أميركا خاصة، للحصول على مبلغ مادي لقاء التخلي عن مقعدهم لصالح مسافر آخر، ولكن ما هو ليس متعارفاً عليه هو ترك الركاب يصعدون الى الطائرة ومن ثم يعرضون عليهم ثمناً لقاء ترك مقعدهم مثلما حصل في الحادثة الاخيرة.
وقد يكون القانون فوق كل اعتبار ولكن التصرف الذي قام به مسؤول الامن تجاه الطبيب وسحله على الارض بهذه الطريقة الهمجية لا يبرره أي قانون والاسوأ هو تحول الطبيب من "ضحية" الى " مذنب" فقط لانه رفض ترك مقعده لان لديه التزام عمل ويتحتم عليه السفر.
قصة الحجز الزائد وكما قلنا في مستهل الموضوع مشكلة تعاني منها شركات الطيران مثلما يعاني منها المسافرون ، ولكن ما يجب أن يضعه المسافر نصب عينيه هو أن شراءه تذكرة سفر لا تعني أنه سيسافر ، فهناك حملة عالمية من المسافرين تحض شركات الطيران على تغيير هذا القانون ، ولكن لم يلق هذا الاخير آذاناً صاغية بعد ، وهذا يعني أن قائد الطائرة و شركة الطيران لديهما الحق في إلغاء رحلتك من دون سابق إنذار لا سيما في ظل الاحداث الامنية الجارية .
أعشق السفر ولكن وبصراحة أصبحت معاملاته معقدة بسبب القضايا الامنية والاقتصادية ، ولكن هذا لا يعني أن السفر سيتوقف ولا يعني أن المسافر سيتحول الى "مجرم طائر" في كل مرة يسافر بها ، فمن المجدي بأن يفهم المسافر حيثيات القوانين التي لا يعرفها إلا من أقرها، حتى لا نتحول الى مسافرين بلا مقاعد و"مجرمين" في الاجواء.