خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

أوفى من السموأل

عرف السموأل في التوراة والتراث العبري بصاموئيل، وكان من الشعراء ورجال الدين اليهود في أيام الجاهلية. وهو بالضبط سموأل بن حيان بن عاديا. وقد اشتهر بالوفاء لحكايات كثيرة. وكان قد أولى العرب لصفة الوفاء مكانة كبيرة في تراثهم. من ذلك قولهم «وعد الحر دين»، و«المؤمن إذا عاهد وفى». وجاءت على ألسنة العامة في شتى الديار العربية أمثال كثيرة في هذا المعنى. كان من ذلك قولهم في منطقة الخليج «الوصاه حصاه»، وأيضاً «قصرت خطانا يوم طالت خطاكم»، ويقولون في اليمن: «المؤمنون عند شروطهم»، وأيضاً «بياض الوجه ثمرة».
ولكن من أشهر الأمثال في التراث القديم قولهم «أوفى من السموأل». أما سر ضرب المثل بوفائه فيعود إلى قصة الشاعر امرئ القيس معه. قالوا إن امرأ القيس عندما أراد اللحاق بقيصر طلباً للنجدة، أودع دروعه وحاجياته عند السموأل ثم رحل. ولما سمع أحد ملوك الشام بموت امرئ القيس، توجه إلى السموأل وطالب بتسليمه ما أودعه عنده. فامتنع هذا عن ذلك. وكان له ابن في خارج الحصن فأمسك به ذلك الملك ثم صاح بوالده قائلاً: «هذا ابنك في يدي وقد علمت أن امرأ القيس ابن عمي ومن عشيرتي وأنا أحق بميراثه. فإن دفعت إلى الدروع فبها وإلا ذبحت ابنك». فأبى السموأل أن يستجيب لطلبه وقال: «ليس إلى دفع الدروع سبيل. فاصنع ما أنت صانع».
فذبح الملك ابنه أمامه وهو ينظر لذلك. وانتظر السموأل حتى جاء ورثة امرئ القيس الشرعيون فدفع إليهم حاجيات الشاعر. وكان السموأل نفسه شاعراً وله أشعار معروفة منها قوله:
تعيرنا أنا قليل عديدنا
فقلت لها إن الكرام قليل
ما ضرنا أنا قليل وجارنا
عزيز وجار الأكثرين ذليل
وفي ذلك الموقف امتنع السموأل وأنشد فقال:
وفيت بأدرع الكندي إني
إذا ما خان أقوام وفيت
وقالوا إنه كنز رغيب
ولا والله أغدر ما مشيت
وقد سجل الأعشى فحوى هذه الحكاية في أشعار له قال فيها:
شريح لا تتركني بعد ما علقت
حبالك اليوم بعد القد أظفاري
كن كالسموأل إذ طاف الهمام به
في جحفل كسواد الليل جرار
فقال غدر وثكل أنت بينهما
فاختر وما فيهما حظ لمختار
فقال لا أشتري عاراً بمكرمة
فاختار مكرمة الدنيا على العار