كينان مالك
TT

النتيجة الحتمية للانتخابات البريطانية

يوماً بعد يوم، نكتشف أننا بتنا نعيش في عصر النتائج الانتخابية غير المتوقعة. فقرار رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي الثلاثاء الماضي بإجراء الانتخابات العامة في 8 يونيو (حزيران) جاء على غير المتوقع بكل تأكيد. فرغم أننا نعيش في عصر بات من الصعب فيه الإبقاء على سرية المعلومات إلا ما ندر، لم يحصل صحافي واحد على لمحة عن الخبر حتى جرى الإعلان عنه رسمياً. لكن حتى في عصر غير المتوقع، من الصعب رؤية أي نتيجة غير انتصار حزب المحافظين ليعود بتيريزا ماي إلى «داونينغ ستريت» رئيسة للوزراء.
السؤال الأهم الذي ستثيره انتخابات يونيو المقبل ليس عن أي من الحزبين سيشكل الحكومة البريطانية المقبلة، لكن أي الحزبين سيرتدي عباءة المعارضة؟
سادت حالة من عدم الرضا عن سياسات حزب المحافظين، بدءاً من أدائه الذي يفتقد للكفاءة إلى مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي والاستياء من مواصلة تقليص الإنفاق الحكومي. غير أن الاستياء من المعارضة، خصوصاً حزب العمال، يعتبر أشد من كل ما سبق.
فحزب العمال يعاني من الفوضى، فقد خسر الانتخابات الفرعية في المنافسة على مقاعد كانت مضمونة بصورة تقليدية، وتراجعت أسهمه في استطلاعات الرأي بعد أن زلزلته مشكلاته الداخلية. فقد أظهر استطلاع الرأي الذي جرى عقب إعلان تيريزا ماي عن موعد الانتخابات المقبلة تقدم حزب المحافظين عن العمال بفارق 21 في المائة. ولكي ننظر لهذه الأرقام من منظور عملي، فعندما فازت مارغريت ثاتشر على مايكل فوت في الانتخابات التي جرت عام 1983، والتي كانت بمثابة الهبوط بحزب العمال للحضيض، لم تكن ثاتشر تتقدم على خصمها بأكثر من 15 في المائة.
فالكثيرون يرون مشكلات حزب العمال باعتبارها نابعة مباشرة من زعيم الحزب جيرمي كوربين. فكوربين ثبتت عدم فعاليته كزعيم، فهو غير قادر على بث روح الحماس حتى بين أنصاره. فقد أظهر استطلاع جرى أخيراً أن أقل من 40 في المائة من أصوات حزب العمال يعتقدون أنه قد يكون رئيس وزراء أفضل من تيريزا ماي.
قال جون وودكوك، عضو البرلمان عن حزب العمال، لناخبيه: «لن أصوت مطلقاً ليصبح جيرمي كوربين رئيساً للوزراء». فعندما يعجز مشرعو الحزب عن تقبل فكرة أن يصبح زعيمهم رئيساً للوزراء، فمن الصعب معرفة السبب في أنه يجب على الجميع التصويت لحزب العمال.
فأزمة حزب العمال أعمق من شخص رئيسه، فلم يعد من السهل معرفة أي نوع من الأحزاب هذا، أو أي فئة من الناس يسعى الحزب لتمثيلها. ولذلك فالحزب غير قادر على اتخاذ موقف إزاء القضايا الكبرى، أبرزها الخروج من الاتحاد الأوروبي. فبسبب خوفه من خسارة من تبقى من الطبقة العاملة، فقد تقلصت أسهم الحزب عقب حملة التأييد الكامل لـ«البقاء» في الاتحاد الأوروبي التي خاضها، ولم يستطع التمسك بفكرة تقبل الخروج من الاتحاد في ضوء رغبته المحافظة على أصوات سكان الريف والطبقة المتوسطة.
النتيجة كانت حيرة استنزفت دعم الناخبين من الجانبين على استحياء. فتردد حزب العمال تجاه الخروج من الاتحاد الأوروبي جعل الكثيرين من الليبراليين في حزب العمال يتحولون إلى تأييد حزب الديمقراطيين الليبراليين، أو ببساطة الابتعاد عن الأمر برمته. فبالفعل دعا توني بلير الناخبين للتصويت دعماً للمرشحين المعارضين للخروج من الاتحاد الأوروبي، أياً كانت وجهة الحزب. وتقول تقارير إن القائد السابق للحزب قد ينافس على هذا المنصب مع زعيم حزب الديمقراطيين الليبراليين تيم فارون.
فبعدما استنزف في الانتخابات التي جرت عام 2015 عقب المرحلة غير السعيدة التي خاضها كشريك صغير في الحكومة الائتلافية الصغيرة مع حزب المحافظين الذي يقوده ديفيد كاميرون، فقد وضع «الديمقراطيون الليبراليون» أنفسهم الآن في حزب أوروبا. وبعد اللعبة التي أدارها لكسب أصوات داعمي حملة البقاء في الاتحاد الأوروبي ممن لا يزالون مستائين من نتائج استفتاء العام الماضي بشأن استمرار عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، يدعو الحزب إلى استفتاء شعبي ثانٍ في نهاية مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي.
قد يسترد حزب الليبراليين الديمقراطيين بعض المقاعد التي خسرها في البرلمان، بيد أن درجة قبوله البرلماني أقل من أن يشكل جبهة معارضة جادة، وسوف يكون الانتصار كبيراً لو أن الحزب فاز بخمسين مقعداً مجدداً في الانتخابات المقبلة.
أما بخصوص حزب «يوكيب»، فقد حرمه التصويت في صالح الخروج من الاتحاد الأوروبي من الوجود على الساحة. فمنذ الاستفتاء، دخل الحزب فيما يشبه الحرب الأهلية، حالياً ليس للحزب أي نائب في البرلمان، ومن غير المرجح أن يكون له أي مقاعد في انتخابات يونيو المقبل.
في اسكوتلندا، فإن حزب سكوتش ناشيونال هو حزب الحكومة، وفي الانتخابات العامة الأخيرة بلغ عدد المقاعد التي فاز بها الحزب 56 من إجمالي 59 مقعداً نافس عليها، في انتصار غير عادي بعد أن ترك خلفه حزب العمال والليبراليين الديمقراطيين بمقعد واحد لكل منهما.
زعيمة الحزب، والوزيرة الأولى في اسكوتلندا، نيكولا ستارجون، حاولت استغلال نتيجة الخروج البريطاني في الدفع لإجراء استفتاء شعبي على استقلال اسكوتلندا، مشيرةً إلى أن غالبية الاسكوتلنديين صوتوا للبقاء داخل الاتحاد الأوروبي. وأصرت تيريزا ماي على أن أي استفتاء شعبي، في حال أجري، سيجرى بعد استكمال مفاوضات الخروج الأوروبي وبعد خروج بريطانيا من الاتحاد. وسوف يلقي هذا التضارب بظلاله على الانتخابات المقبلة، لكنّ هناك دليلاً ضعيفاً على أن للاسكوتلنديين رغبة كبيرة في إجراء استفتاء جديد بخصوص الخروج الأوروبي أو بخصوص استقلال بلادهم.
بالنظر إلى النجاح الكبير في الانتخابات الأخيرة، فلن تكون مفاجأة لو أن القوميين خسروا بعض الناخبين هذه المرة. فكما هو الحال في إنجلترا وويلز، فالمعركة الحقيقية لن تكون حول من يحكم، بل حول من في المعارضة المستنزفة سيتمكن من الحصول على أكبر فائدة ممكنة من الفتات السياسي المتبقي.
مرة أخرى، من المتوقع أن يتراجع أداء حزب العمال للأسوأ. فمنذ عشرين عاماً، بدا الحزب منيعاً في اسكوتلندا، وحتى عام 2010، حصل الحزب على 41 دائرة انتخابية من إجمالي دوائر اسكوتلندا البالغة عددها 59 دائرة في برلمان وستمنستر. وبعد 8 يونيو، قد ينتهي الحال بحزب العمال من دون الفوز بدائرة انتخابية واحدة.
الانتخابات المقبلة من المفترض، بل ويجب، أن تكون فعالة بوصفها بؤرة النقاش الكبير حول مرحلة ما بعد الخروج البريطاني وما يريده البريطانيون في هذه المرحلة. سوف تكون المنافسة حامية حول قضايا تبدأ من التقشف وتنتهي بالهجرة. لكن الفجوة التي سيتركها موقع المعارضة تعني أن قليلاً من القضايا ستناقش.
ولنكون على يقين، سيكون هناك صراخ عالٍ بشأن الخروج البريطاني، وسيحاول الكثيرون استخدام هذه الانتخابات لإعادة استفتاء العام الماضي. لكن بعد 8 يونيو، سوف تدخل حكومة حزب المحافظين، بعد أن تكون سياسته واستراتيجيته قد اختبرت علناً بالكاد، في مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي.
تأتي الانتخابات البريطانية العامة وسط سلسلة من الحملات الانتخابية غير المتوقعة في كثير من الدول، بدءاً من تصويت الخروج البريطاني إلى الانتخابات الأميركية العام الماضي، إلى الانتخابات الهولندية والاستفتاء التركي الربيع الحالي والجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، والانتخابات الفيدرالية الألمانية المقررة في سبتمبر (أيلول) الحالي.
من المفترض أن تكون جميع الاستطلاعات الديمقراطية المذكورة بمثابة منصات للجدل العام وأدوات لقياس الإرادة الشعبية، لكننا سنشفق كثيراً على بريطانيا لو أن انتخاباتها جاءت أقل أهمية وأقل جذباً لجمهور الناخبين من غيرها.
* خدمة «نيويورك تايمز»