خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

الحالم الثالث: سان سيمون

انتمى الكونت هنري سان سيمون (1760 – 1825) إلى الأرستقراطية الفرنسية، وكسب مالاً كثيراً من شراء أراضي الكنيسة والمتاجرة بها. كانت له طموحات كثيرة في إصلاح المجتمع، وتصور نفسه خليفة لسقراط ورائداً من رواد العقلانية.
أوصى خادمه بأن يوقظه صباح كل يوم بهذه الكلمات: «انهض يا مسيو الكونت، فأمامك أعمال خطيرة عليك إنجازها اليوم!».
اشترك في حرب الاستقلال الأميركية وتأثر بمبادئها، ثم اعتقلوه أثناء الثورة الفرنسية لمدة سنة.
اعتقد، كأفلاطون، أن الحكم يجب أن يكون بيد العقلاء الأذكياء وليس بيد الأرستقراطية. وفي القمة يتولى الحكم أرباب الصناعة والعلماء، ممن يستعملون أدق الأجهزة العلمية في معرفة الأفضل والأنفع.
يجب وضع حد لتميز البعض على البعض، بحيث تسود المساواة بين الجميع، ويعمل الناس لفائدة الكل بالروح التعاونية والمحبة. وهكذا نحصل على دولة صناعية إنسانية يختفي الفقر منها.
ومن الطريف أن نلاحظ أن كل هؤلاء الحالمين، ولا سيما روبرت أوين، كانوا يؤمنون بروح التعاونية بين أفراد المجتمع.
كان سان سيمون رجلاً متديناً، وأصدر كتاباً بعنوان «المسيحية الجديدة». كان يقصد بها مسيحية تتناغم مع المجتمع الصناعي الحديث. بيد أن كل أحلامه لم تتحقق، ولم يسعَ إليها غير قلة من المثاليين من نمطه، فحاول الانتحار يوماً، ولم ينجح حتى في هذا. ولكنه جمع حوله بعض المؤمنين الذين بنوا كنيسة عصرية قرب باريس تبشر بهذه المبادئ.
وعندما توفي شيعوه إلى مثواه الأخير في حديقة هذه الكنيسة، وقد لبسوا جميعاً ثياباً خاصة تمثل آراءه وأحلامه، ثياباً باللون الأبيض والأحمر والأزرق. الأبيض رمز الحب، والأحمر لون العمل، والأزرق السماوي رمز الإيمان الديني. وكانت هذه الثياب مصممة بحيث لا يمكن ارتداؤها من دون شخص آخر يتولى تقميصها وإلباسها عليك. وكان ذلك بالطبع إشارة لترابط البشر وإنجاز كل شيء بالروح التعاونية.
وبعد وفاته ودفنه، حرص المؤمنون بأفكاره من أهل باريس على زيارة قبره والتأمل في أعماله، وفي ديره التصوفي.
وقد آمن سان سيمون بنفس الأفكار التي تعلق بها سواه من أهل الأحلام، كروبرت أوين وفوريير، ومن بعدهم الكونت تولستوي. رأوا جميعاً أن المنافسة الرأسمالية وروح الكسب لا تنفع الإنسان. التعاون بين المواطنين بروح المساواة هو الذي يفضي بالمجتمع إلى دروب الخير والسلام والسعادة.
ومن هذه الزاوية كان هؤلاء الحالمون رواداً من رواد الاشتراكية. آمنوا جميعاً بالسعي إلى إقامة «يوتوبيا»، أي المدينة الفاضلة التي شاركهم في الحلم بها والتطلع إليها بعض الفلاسفة المسلمين، كالفارابي، وسواهم من الفلاسفة الغربيين كأفلاطون وتوماس مور.